نحن في مطلع العقد الثالث من الألفية الثالثة، حيث تتاح المعلومة والمعرفة بعدة قنوات عبر أدوات هذا العصر؛ ذلك للجميع ولمن يشاء بصيغ توافق المستخدم عبر الحرف والصوت والصورة والضوء.
نشرت في 31 ديسمبر 2019 ورقة علمية لمجموعة من الباحثين الأوربيين تطرح فكرة أن يستحدث علمياً وعملياً مجالاً جديداً لاستخدام مواد البناء المعماري من الفطريات. الفكرة تبدو غريبة، ولكنها تفترض أن مواد البناء المختارة بمقدورها أن تحافظ على البيئة والحد من إشكاليات التلوث وإهدار الطاقة ومصادرها. ببساطة هؤلاء الباحثين يروجون لفكرة تطلب منا أن نتهيأ لحياة مكوناتها طبيعية في كل شيء: الجدران والأنابيب والكهربائيات والأثاث؛ جميعه مصنع من الفطريات بحيث يتحكم في شكلها وقوتها وألوانها بطرق لا تضر بهذه الفطريات ويستفاد منها بآليات عملية. ليس هذا فحسب، بل يمكن إن حدث عطب أو ضرر في أي أنبوب أو جدار أو قطعة أثاث تقوم بترميم نفسها ذاتياً. كل ذلك آملين ألا يكون هناك متحسس من هذه الفطريات والتعايش معها![1]
قُدمت مؤخراً هذه المعلومات العلمية المفترضة بشكل يمكن تداوله وتبادله وترجمته عبر الشبكة العنكبوتية.
بينما نشر في 28 ديسمبر 2019، وفي عدة مواقع منها صحيفة الإمارات اليوم من دبي، موضوع جذب الأنظار نحوه (تقنية الهولوغرام أعادت كوكب الشرق لتقف أمام جمهورها، أم كلثوم تُحيي حفلاً على مسرح أوبرا دبي)، بعد 44 عاماً من وفاة الراحلة المقيمة كوكب الشرق. وحدث دمج عوالم الافتراضي مع الواقعي عبر التقنيات الحديثة (الهولوغرام) وتمكن حضور الحفل من الاستمتاع بسهرة مبتكرة مع عبق الطرب الأصيل.
ما شكل البيئة التي نحيا فيها حالياً؟
نحن في عصر تتوفر فيه للكثيرين منا المعلومة بما فيها العلمية بعدة طرق عبر قنوات الإعلام الجديد، ومنها تطبيقات التواصل الاجتماعي؛ كما تحققت في كثير من المدن بالإقليم مفهوم وواقع المدن الحاملة للثقافات المتنوعة (الكوزموبوليتان). كما تيسرت الحركة والسفر من مكان إلى آخر بشكل طوعي وقسري، حيث تعددت أسباب الإقامة والهجرة لإنسان المنطقة في دول تختلف ثقافاتها عن الدول الأم، إن جاز التعبير. كل ذلك أسهم في عدد من النتائج منها توفر بيئة خصبة لفهم الثقافات بتنوعها وتبادل المعلومات وفي جانب مواز نشأت أجيالاً جديدة منها الجيل(Z)، وهم الأجيال التي عرفت منذ نعومة الأظافر اللعب عبر شاشات توفر المواد المتنوعة في قوالب لعب وتعليم وترفيه وتواصل صوت وصورة وحرف، متجاوزين كل الحدود الجغرافية والاختلافات الثقافية.
المتابع للمشهد الثقافي في إقليمنا وعالمياً سيجد أن لدينا أجيالاً، من ضمنها الجيل (Z)، تقرأ الأدب المترجم وربما تتناوله بلغاته الأجنبية، كما يتابعون بنهم ما تعرضه الشاشات حيث تنقل روايات وقصص المتخيل العلمي الموجهة للجميع وعلى وجه الخصوص الناشئة والصغار.
كيف واقع قصص وروايات المتخيل العلمي بإقليمنا؟
عزيزي القارئ، كما نعلم توجد محاولات جادة وحتى إن كانت بحجم ضئيل ولم تصل بعد للانتشار وتصدر أرفف المكتبات للجذب والمتابعة كما ينبغي إلا أن هناك مديات فسيحة ومغرية للكتابة في هذا الحقل ويوجد عقول متعطشة لهذه النوعية من الأدب.
من المؤكد، أن العقلية الإبداعية المبتكرة بمقدورها أن تثبت عبقريتها بسبق الواقع والمتوفر لترتقي نحو استشراف المستقبل والحديث عن نظريات علمية جديدة ورؤى خلاقة تنسج عبر السرد. الموهبة الحقيقية، والسعي نحو القراءة والتعلم، والمتابعة للمحتوى العلمي والأدبي والسينمائي ستقدم نماذج تستثمر معلومات مثل التي عرضت مطلع هذه الورقة عن افتراض بناء البيوت والمدن من الفطريات وتقنية الهولوغرام، التي تستحضر الماضي نحو منصة الحاضر والمستقبل. والكثير من المعلومات العلمية التي تدور حولنا، بمقدورها أن تفتح آفاقاً عريضة لقطف الأفكار الشهية نحو الحرف ومن ثم إلى الشاشات. ربما في هذه اللحظة، يبدو لبعضنا الأمر بعيداً، ولكنه ممكن وليس هذا فحسب بل وقابل للنقل للعالمية في أبهى الصور. سيتم ذلك طالما وظفت الطاقات بموضوعية من قبل المنوطين بالشأن الأدبي والثقافي والعلمي بإقليمنا والتشجيع على تهيئة الفرص المتكافئة ولرأينا نقلة حقيقة نصبو إليها تختصر المسافات عبر الفكر الحر والمتجدد المواكب لهذا العصر لخير الفرد والمجتمع.
[1] المصدر أبحاث كلية العلوم والتكنولوجيا بجامعة كورنيل https://arxiv.org/abs/1912.13262