خوفٌ يتبدل
ناصر بن محمد العُمري – السعودية
جسم غريب، أصوات مدوية.
حين كان كل شيء يسير على الأرض، جاء هذا الجسم ليرعبنا وهو يحلّق على ارتفاعات منخفضة.
كنا، وأختي الكبرى، نرعى الغنم في بطن الوادي، وحين سمعنا أزيزها للمرة الأولى؛ جَفَل غنمنا وتفرق. فيما أصابنا هذا المنظر وأختي برعب قاتل؛ أفقدنا القدرة على الحركة. أتذكر “لحي” ختي السفلي يرجف بقوة، وجسمها يهتز بعنف. تحضنني لدقائق. ربما فكرت في أن ننتظر الموت
على طريقة العشاق، أقصى ما نتمناه أن نموت متعانقين، فلربما خفف العناق نزعات الموت.
نزل الجسم الغريب في جزء من جبل مجاور، وتحديداً في المخصر الذي يشبه المضيق في خارطة كتب الجغرافيا.
(نسيت اسم هذا الموقع الآن ….ولم أعد أذكره)، لكنه يطل على قرية العراونة، التي تقع أعلى شعب صقر، ويفصلنا عنها تل صغير سميناه (بادية).
الحدث كان غريبًا ومرعبًا، رافق الخوف فرح خفي؛ فقد امتلكنا قصة، سنحكيها لكل من نلتقيه.
الغرابة تلاشت، والرعب أفل في المرات اللاحقة. حين ظهر هذا الجسم مرة أخرى، نزل في سفح جبل، وتحديدًا في حداب الربيع؛ تشجّعنا هذه المرة دعتني أختي لأن نقترب منهم، إلى نحو يسمح بالمشاهدة. اختبأنا خلف صخرة بجانبها شجرة العدن الضخمة، نراقب ما يحدث.
نزل من هذا الجسم الغريب أناس بملامح مختلفة عنا جُهص (شديدي البياض) شعرهم أشقر وعيونهم زرقاء، يلبسون ملابس مختلفة. أتذكرهم : يبولون من وضع الوقوف؛ وهذا كان في أعرافنا عيباً شنيعًا. ومعهم نساء، تُظهر ملابسهن تفاصيل الجسد إلى حد فاضح شاهدتهم يفاضلون بين الحصى.
“سيسرقون حصانًا”، هذا ما وشوشت به أختي في أذني.
يحملون أشياء لا نعرفها. أعتقد الآن أنها كاميرات.
أخذوا أنواعًا من الحصى والتراب، وغادروا.
كنا نعتقد أن الجن (نفروا بهم)، أو الملائكة عرجت بهم.
مازال الخوف حاضرًا، لكن بدرجة أقل. لاحقًا، بعض العارفين فسروا لنا المشهد، قالوا لنا: أن هؤلاء خواجات، وهذا الجسم الذي يحملهم هو الطائرة، وأسمها “كبتر”، ثم عرفنا بعد حين أنها “هيلوكابتر”.
اتفق كبار القرية على تسمية ملابسهم “فرنجي”. لاحقًا، أطلقوا على الأزياء الرياضية ذات الاسم. أما رحلتهم فلربما كانت تجسسًا في ثوب زيارة بحثية، وتنقيب عن معادن وصخور.
قضينا طفولتنا لاحقاً ننتظر تحليقهم مجدداً. رويدًا، تحولوا أصدقاء نفطر معًا، يجلبون معهم خبزًا لذيذًا وعلب التونة، والأجبان اللذيذة، وتناولنا معًا مشروباً منعشًا، ولمسنا أجساد النساء؛ اغتاظ فقيه القرية، فأفسد علاقتنا بهم، ونهانا عنهم؛ فهؤلاء البشر من جنس الخواجات نصارى وكفار، ولكنهم يعملون عند الحكومة.
بعدها، لم نعد حتى ننظر إلى السماء لمشاهدة عبور الطائرة، وكنا نسد آذاننا خشية اقتراف إثمهم.