محمد الثبيتي

سيد البيد

0 1٬179

الشاعر محمد الثبيتي يعـد أحد أبرز الشعراء السعـوديين الذيـن مثـلوا حــركة الحـداثـة، خــاصة عـلى مستوى «الإبداع الشعري»، بالرغم من أنه بدأ تقـليدياً، وهو الذي نظم الشعر وعـمـره 16 عاماً، وظل ممزوجاً بروح بدوية، مما أكسب قصائده نكهة تبلورت في عدم تخلي قصيدته عن الموسيقى والقافية حتى عندما انتقل إلى كتابة قصيدة التفعيلة. وظلّ عـلى تواصل مع الحـركة الشعرية والثقافية بالرغم من فترات الانقطاع والعزلة، خلافاً للعديد من الشعراء السعـوديــين الذين نشطوا خلال الثمانينات من القرن الماضي ومثلوا ما أصبح يعـرف بالتيار الحـداثة، لكن إنتاجهم الشعري والثقافي تراجع فيما بعد. حصل الثبيتي على عـدد من الجوائز، منها جائـزة نادي جـدة الثقافي عام 1991 عـن ديوان «التضاريــس»، وجائـزة اللوتـس في الإبـداع عـن الديوان نفسه، وجائزة أفـضل قصيدة في الدورة السابعة لمؤسسة جائـزة عـبد العـزيز سعـود البابطين للإبداع الشعري عام 2000، عن قصيدة (موقف الرمال.. موقف الجناس)، وجائـزة ولقب (شاعر عكاظ) عام 2007 في حفل تدشين فعاليات مهـرجان سـوق عـكاظ التاريخـــي الأول. صدرت له الدواوين: (عاشقة الزمن الوردي)1982، (تهجيت حلما.. تهجيت وهما) 1984،(التضاريس)1986. ومثلت قصائد الثبيتي وأهمها (التضاريس)، (تغريبة القوافل والمطر)، (موقف الرمل)، (الجناس)، (وضّاح)، و(بوابة الريح)، مشاهـد حـداثية مـتـطـورة، مشوبة أحياناً بنكهة اللغة البدوية، أو سمات الصحراء. ويفسر البعض نجاح قصائد الثبـيـتي بقدرتها على المزج العجيب ما بين لغة الإنشاد وجماليّته، وبين الخيال الصوفي والاتكاء على استحضار أسطورة.

 

 

 

 

 

 

 

 

قصيدة للثبيتي

أدِرْ مهج الصبحِ
صبَّ لنا وطنًا في الكؤوسْ
يدير الرؤوسْ
وزدنا من الشاذلية حتى تفيء السحابة
أدِرْ مهجة الصبح
واسفح على قلل القوم قهوتك المرّة المستطابة
أدر مهجة الصبح ممزوجة باللظى
وقلّب مواجعنا فوق جمر الغضا
ثم هات الربابة
هات الربابة:
ألا ديمة زرقاء تكتظ بالدما
فتجلو سواد الماء عن ساحل الظما
ألا قمرًا يحمرُّ في غرة الدجى
ويهمي على الصحراء غيثًا وأنجما
فنكسوه من أحزاننا البيض حُلةً
ونتلو على أبوابه سورة الحِمى
ألا أيها المخبوء بين خيامنا
أدمت مطال الرمل حتى تورّما
أدمت مطال الرمل فاصنع له يدًا
ومدَّ له في حانة الوقت موسما
أدِرْ مهجة الصبحِ
حتى يئن عمود الضحى
وجددْ دم الزعفران إذا ما امّحى
أدر مهجة الصبح حتى ترى مفرق الضوء
بين الصدور وبين اللحى .
أيا كاهن الحي
أسَرَتْ بنا العيسُ وانطفأت لغة المدلجينَ
بوادي الغضا
كم جلدنا متون الربى
واجتمعنا على الماءِ
يا كاهن الحيِّ
هلاّ مخرت لنا الليل في طور سيناء
هلا ضربت لنا موعداً في الجزيرة
أيا كاهن الحيِّ
هل في كتابك من نبأِ القوم إذ عطلوا
البيد واتبعوا نجمة الصبحِ
مرّوا خفافاً على الرمل
ينتعلون الوجى
أسفروا عن وجوه من الآل
واكتحلوا بالدجى
نظروا نظرةً
فامتطى علسُ التيه ظعنهمُ
والرياح مواتيةٌ للسفرْ
والمدى غربةٌ ومطرْ .
أيا كاهن الحي
إنا سلكنا الغمام وسالت بنا الأرض
وإنا طرقْنا النوى ووقفنا بسابع أبوابها خاشعينَ
فرتلْ علينا هزيعًا من الليل والوطن المنتظر:
شُدّنا في ساعديك
واحفظ العمر لديك
هَبْ لنا نور الضحى
وأعرنا مقلتيكْ
واطو أحلام الثرى
تحت أقدام السُّليكْ
نارك الملقاة في
صحونا, حنّت إليك
ودمانا مذ جرت
كوثرًا من كاحليك
لم تهن يومًا وما
قبّلت إلا يديك
سلام عليكَ
سلام عليكْ .
أيا مورقًا بالصبايا
ويا مترعًا بلهيب المواويل
أشعلت أغنية العيس فاتسع الحلم
في رئتيكْ .
سلام عليكَ
سلام عليكْ.
مطُرنا بوجهك فليكن الصبح موعدنا للغناء
ولتكن سورة القلب فواحةً بالدماء .
سلام عليكَ
سلام عليكْ
سلام عليك فهذا دم الراحلين كتاب
من الوجد نتلوه
تلك مواطئهم في الرمالْ
وتلك مدافن أسرارهم حينما ذللت
لهم الأرض فاستبقوا أيهم يرِدُ الماءْ
– ما أبعد الماءَ
ما أبعد الماء
– لا .. فالذي عتقته رمال الجزيرة
واستودعته بكارتها يَردُ الماءَ
يا وارد الماء علَّ المطايا
وصبّ لنا وطنًا في عيون الصبايا
فما زال في الغيب منتجع للشقاء
وفي الريح من تعب الراحلين بقايا
إذا ما اصطبحنا بشمس معتقةٍ
وسكرنا برائحة الأرض وهي تفورُ بزيت القناديل
يا أرض كفِّي دمًا مشرَبًا بالثآليل
يا نخلُ أدركْ بنا أول الليل
ها نحن في كبد التيه نقضي النوافلَ
ها نحن نكتب تحت الثرى :
مطرًا وقوافل
يا كاهن الحيِّ
طال النوى
كلما هلَّ نجم ثنينا رقاب المطي
لتقرأ يا كاهن الحي
فرتل علينا هزيعًا من الليل والوطن المنتظر

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.