لا أدري، لمن اكتب!

جدل-لمن نكتب؟

0 550

محمود تراوري- روائي سعودي-سماورد

عندي ليس ثم لحظة معينة أستطيع تحديدها أبدا لانطلاق شرارة النص، لكن يمكن وصف بعض ملامحها. شعور طاغ بالفرح يملؤني، رغم أني قد أكون في قمة الطفش، لكن بهجة الكتابة تبدد كل النزق، تجعلني أبدو حينها أسعد مخلوق، أكون منتشياً جداً، قد تجدني أفز من النوم ، ولا يمكن أن أنام ما لم افرغ تلك الشهوة الكتابية. وأرجو ألا أكون مبالغاً حين أقول بأن حياتي كلها تقريبا تكاد تكون استغراقاً في النص وملاحقة شراراته، لذا يتضايق  المقربون مني كثيراً، لأني كثيراً ما أبدو شارداً عنهم، وربما أحياناً أتعرض لمواقف محرجة مع  الغرباء والعابرين في ممرات الحياة، وبعضها مواقف طريفة  كموقفي مع موظفة استقبال في مستشفى ظلت تسألني عن اسمي لمدة نصف دقيقة تقريباً وأنا ساهٍ عنها في ملكوت اعتقال شرارة من تلك الشرارات.

شرارة النص لحظة متعة عارمة وهائلة عندي، بقدر ما هي سريعة التحلل والتفلت، وسريعة الانطفاء كنشوة، بعد الفراغ من سكبها  كنص أو مقدمات نص.

لا أعرف للكتابة فلسفة عندي، أظن أنه ليس من فلسفة للمتعة واللذة. ربما كل ما أعرفه أن الكتابة خباء جميل، تمترس لإطلاق رصاصات تحيي. الكتابة صدق، وربما نحن خلقنا لممارسة الصدق خلف خباء!

’’شرارة النص لحظة متعة عارمة وهائلة عندي’’

أما قرائي فأحيانا وأحيان أضعهم في حسباني، وذلك حسب طبيعة الشرارة. أو طبقا لسماكة الخباء. و أنا لا أتخيرهم، بمعنى انتقاء قصدي، لكن طبيعة الفكرة التي يطرحها النص هي التي تفرض أحيانا، طبيعة هذا الاختيار، وهذه المسألة الملتبسة، ربما تتضح عندي خبرات خاصة فيها لطبيعة مهنتي كصحافي، ما يجعلني أعيش معارك تفكيك الالتباس بين ما هو نص فني ونص مهني إن جازت التسمية.

لست أنا من يصنف القراء إلى نخب وعاديين، إنما طبيعة الحياة العربية وأنماط الثقافة فيها، وإقامة اعتبار لنسب الأمية ومستوياتها في العالم العربي، ربما تجعل من هذا التصنيف أمراً ممكناً.

لا يمكن بطبيعة الحالة إخضاع الحكم على النص لمعايير الانتشار وأعداد القراء، وعلينا الرجوع لما قلت به أعلاه من ظروف اجتماعية وسياسية وارتباكات أفق ومسارات وعي متداخلة ومتخالفة، ومحددات تفكير في عالمنا العربي، وغيابات أشياء كثيرة، كي تسهل معرفة أن ذلك غير ممكن لأنه نقيض المنطق.

عني، انا اكتب لنفسي وللقراء، وربما سعيا خلف صدق، ربما مواجهة لقبح العالم، كلما علا القبح كلما كانت الكتابة.. هكذا أتصور، لكن على الأرجح، أنني لا أدري لمن أكتب!.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.