21 عاماً
منذُ ميلادي السابق،
عندما انكسرَتْ رؤايَ في كُلِّ المرايا،
و خاصمَني تمظهُرُ الضوءِ فيها،
فيا بُعداهُ لا توجيهَ للمرايا، و لا هبوبَ رياح..
و عندما لمسْتُ نارَ الشمعةِ العشرين وحرقَتْ إصبَعي،
فهمتُ أني لستُ خليلاً لك..
يا سلامُ..
ما كُنتَ عَلَيَّ سلاماً،
وكانَ برداً…رغمَ الربيعِ و الشموعِ،
و تدريني فقدْتُ -منذُ عامٍ- كُلَّ معاطفي،
و حينَ لم تسألْني عمّا في يميني،
و لم أسمَعْ نداءَكَ أنِ “اخلَعْ نعلَيك”
اخلعْ أناك،
اخلعْ رؤاك،
اخلعْ مراياك،
اخلعْكَ، و تعال…
عرفتُ أنَّني لمّا أَبلُغِ الوادِ المقدّس..
٢١ ذكرى ولم أُولَد بعد،
٢١ إنساناً صوريّاً بلا لُبٍّ،
عرفتُ أنَّ قلبي خالٍ منك، ممتلئٌ بكلِّ ما عداكَ من الأسماء،
و ليس جديراً أن يكونَ كليماً من يطفحُ بالأغيار..
فاهجُرْ فرحَ الفانيات،
و اعتزلْ سعادةَ أبناءِ المجاز،
يا سُعاةَ الصفا ومروة،
يا من أبصروا هاجرَ و السراب،
و دكّةَ الذبحِ،
وعينَ الماء،
إنَّ الوضوحَ محضُ عمىً “غُضُّوا ترَوُا العجائب”،
إنَّ أعتابَ الملكوتِ لا تُطرَقُ إلا ببؤبؤِ أخرسٍ أعمى،
ذاكَ وعدُ النبوّات،
فَما راودَني الوَسَن،
و أجفانٌ عذارى ما مسَّها الكرى في الخلوات،
أجوبُ الأرضَ و قد عفتِ الديار،
أبحثُ عن دواءٍ لمرضِ الخواء،
أُفتِّشُ عن طبيبٍ، عن حكيمٍ،
يعالجُ في القلبِ الداء،
أسألُ الشعراءَ، هل لاحَ لكم من جواب؟!
أيا موسوماً بالغوايةِ فُكَّ عُرى الضَّلالِ و انطقْ بالقصيد،
فأنتَ الذي على كُلِّ حالةٍ مقتولُ،
و حومٌ حولَ الحِمى آخرُهُ محتوم،
اصطنعْ -قبلَ فواتِ الأوانِ- أوزانَ النَّوافذِ،
واهجُرْ بحارَ الخليل،
إن أحاطَتْكَ الأبوابُ وأقفالُها،
أَتقنْ لُغةَ الطيور و وزنَ التفعيل،
ابتكرِ المهرب..فأنتَ شاعر،
ولا سجنَ إلا قوافيكَ،
لا سجنَ إلّاك..
فاليراعةُ التي ذابَتْ في الضوءِ،
ذاقَتْ لذةَ بلوغِ النهايات،
الأخرياتُ شابَتْ رؤوسُهُنَّ بليلِ الانتظارات،
و كنتُ كُلَّما استفزَّني وميضُ شمعةٍ،
دَنَوْتُ منها، و سألْتُها: بمَ همسَ اللهُ لموسى؟
فأجابَتْ بذكرى حُرقةِ إصبعي وشمعةِ العشرين،
و عابَتْ عليَّ النّدبة فوقَ حاجبي الأيمن،
و كسرِ يدي في شارعِ “صفائية” في أولى الخطوات،
و هديةُ طبيبِ مشفى قُم الذي جبَّرَ يدي و أنا أتساءلُ ما جبيرةُ القلبِ يا تُرى؟
كيفَ شكلها، أين أجدُها؟
نارُ الشمعةِ التي لم تُبصرْ ندبةَ ساقيَ اليُسرى،
لا تعلمُ أنَّ الندبات تاريخ،
إنسانٌ بلا ندوب هو إنسانٌ بلا تاريخ،
فحملتُ الفأسَ على عاتقي،
وقصدتُ المعابدَ لأروغَ على سُكّانِها ضرباً باليمين،
راعَتْني أحجامُها وأنا الضئيل،
و فؤادي الذي ما زالَ هواء،
إنَّهُ أنا ياربِّ كبيرُهُم،
وإنهُ أنا أكبرُ حجاب،
و أكبرُ الأصنام،
في كُلِّ مرَّةٍ أقولُ فيها: (أنا أحبُّك..)،
يحولُ بيني وبينكَ هذا “الأنا”،
و كيف يرجو وِصالاً من كان دليلُهُ من جنسِ حجابِه؟
لا أحملُ عصا موسى معي لكي تلقفَ ما يأفكون،
لكنّني عجلتُ إليكَ ربِّ لترضى…
وهجرتُ ملةَ قومٍ قايَضُوا حُبَّكَ بعجلٍ جسدٍ لهُ خوار،
أنا يا سرّيَ القديم مجبولٌ بطينِ البحثِ عنكَ لا أنسى أياديكَ عندي،
أمتاحُ من بئرِ فضلِكَ بدلوِ خطاياي،
إنَّهُ في غيابتِ الجُبِّ والحوتِ والسجنِ و الحياة،
لا حبلَ سواك،
أتَشتَري؟
طيرُ إبراهيمَ روحي،
تفرَّقَتْ على صخرِ الرَّبَوَات،
و بصوتٍ عَلا فوقَ كلِّ ترنيمةٍ لزريابَ حتّى مَطلعِ التمنّي،
أتَتْكَ سعياً،
لم تُعاقرْ كأسَ الردى،
و لا صدَّها سهوُ المُغنّي،
لا لأجلِ أن يطمئنَّ قلبي.. هيهات،
فانشغالٌ بأثرِكَ عنكَ صِرْفُ شركٍ خفيٍّ عندَ التدنّي،
إنَّما لآتيكَ بإسماعيلي كبشاً في عيدِ مولدي القادم…
وعندما تقول: “اقرأْ”،
يُجيب: تُذاقُ و لا توصَف…