قطوف من سنا … قراءة في المشغل الكتابي للدكتور محمد اسماعيل الطائي

0 500

د. عقيل ماجد الملا حسن- العراق

خارج الدرس / داخل الدرس

عندما تكتب عن منجز أبداعي ومعرفي للمشتغلين في الحقل المسرحي بشكل عام والحقل النقدي بشكل خاص تقف أمام مجموعة من تضارب الأفكار، وتحاول أن تستجمع معطياتك ومفرداتك اللغوية والعلمية لاستخراج الاجمل منها لتوثق اعمالاً او فضاءات جمالية كان لها الاثر في اثبات سنوات من المنجزات الفنية والعلمية عن طريق المتابعة والتدقيق والكتابة وتكون مصباحا ينير اروقة العتمة .

نقف هنا أمام منجز مهم تنوع ما بين السيرة الذاتية للكاتب بوصفه ممثلاً اشترك مع كبار ممثلي ومخرجو اساطين المسرح العراقي في العقد الثمانيني والتسعيني أمثال (د. عقيل مهدي، د. عبد المطلب السنيد ، د. سامي عبد الحميد ، د. عوني كرومي ) وغيرهم من المخرجين الذين تركوا بصمة فاعلة ومؤثرة في المجالات الفنية المتعددة على المستوى المحلي والعربي وحتى العالمي، لقد اضافت تلك المشاركة للدكتور محمد اسماعيل خزيناً معرفيا وفنيا وصقلت موهبته في التمثيل وحتى الاخراج التي لطالما تمتع بها وبرزت عند عودته من بغداد واشتغاله في الاخراج والتمثيل ومشاركته الواسعة في المهرجانات العراقية والعربية وترك بصمة فاعلة في رؤياه الاخراجية .

اذكر هنا جملة لطالما سمعتها في بغداد من قبل المشتغلين بالمسرح اثناء دراستي للماجستير والدكتوراه أن: (القادمون من الموصل ويدرسون في بغداد يكونون ذو شأن ومجتهدين ويثبتون حضورهم بشكل قوي ومؤثر في الساحة الفنية)، وهذا مما جعل المخرجون والاساتذة يبحثون عن طلبة الموصل ليكونوا طلبتهم ويشرفون عليهم ويتفاعلون مهم، ومنهم الدكتور محمد اسماعيل الذي لطالما ذُكر اسمه امامي بشكل كبير ، نظرا لجديته واخلاصه في عمله.

لقد قدم الدكتور محمد اسماعيل منجزاً فنياً طوال سني حياته متنقلاً ما بين التمثيل والاخراج والكتابة النقدية والبحوث العلمية والاشراف فضلاً عن ترأسه لرئاستي قسم الفنون المسرحية وقسم التربية الفنية منذ تأسيس كلية الفنون الجميلة عام 1994 والى الان . وقد وقف بشكل واسع متبني الطلبة المتميزون وتنبئ لهم بمستقبل واعد ، وظهر جلياً عن طريق كتابته النقدية لمجمل العروض المسرحية والمهرجانات المسرحية التي قدمها قسم الفنون المسرحية منذ البداية والى حد الان فهو يقدم نخبة من الفعاليات والمهرجانات والمشاركات سواء على المستوى الاكاديمي او المشاركات الخارجية في المحافظة . لقد تبنى (محمد اسماعيل) المسرح التربوي نظراً لما يمثله هذا الاسلوب من أهمية قصوى في صناعة جيل من الاطفال يحمل قيماً معرفية وجمالية تنعكس على المجتمع وسلوكياته وتبني شخصيته وكتب عدة كتب في مجال المسرح التربوي بوصفه التخصص الدقيق له منها (دراسات في المسرح التربوي والتمثيل والتفكير الابداعي) وغيرها، فضلاً عن ترجمته لمجموعة من الكتب في ذات التخصص منها (النمو من خلال الدراما وتدريس الدراما) وغيرها التي ساعدت الكثير من الباحثين في الافادة منها لدى كتابتهم للبحوث والرسائل والأطاريح الجامعية.

هنا يقدم لنا الدكتور محمد اسماعيل منجزاً آخرا يضاف الى منجزاته القيمة في الحقل الكتابي عن طريق تجميعه للكتابات النقدية التي سطرها منذ سنوات طوال وهو يتابع ويكتب وينقد مجمل العروض المسرحي على أعمال مهرجانات الطلبة وأعمال الاساتذة في كلية الفنون الجميلة، حيث يكتب تاريخ أجيال متعاقبة تنوعت طروحاتهم المعرفية والجمالية والفنية، ويضع ملاحظاته.. يتفق .. ويختلف .. يتبنى .. يتنبأ .. وكأنه قارئ الفنجان يحمل البصيرة في تلك التنبؤات والتصورات.

داخل الدرس ..

منذ الموسم المسرحي الطلابي الاول لقسم الفنون المسرحية عام 2001، أخذ المشغل الكتابي للدكتور محمد اسماعيل يخط بقلمه تلك العروض وهو يتابع تلك المنجزات الطلابية من مخرجين وممثلين ومؤلفين وتقنيين ويكتب بداية تاريخ كلية الفنون الجميلة / جامعة الموصل وما تقدمه من منجزات لخدمة المجتمع وتطرح العناصر الجمالية وتضيء سماء الجامعة والمدينة، ويقدم استشاراته الفنية وخبرته الواسعة في المسرح عن طريق التلاقح المستمر بين الطلبة والكادر الفني التدريسي والمتلقي، لقد حرص دائما على تقديم عروضاً تتسم بالموضوعات الجدية، يحلل ويفسر افكار تلك الموضوعات مع الطلبة فهو لطالما تمتع بخاصية (المخرج / المفسر / المحلل) مع طلبته فهو (داخل الدرس) استاذ يقف كثيراً أمام حركة او اشارة او تعبير او جملة من أجل وصولها الى الطالب / الممثل في المشغل المسرحي، حيث يترجل من كرسيه العلمي والاكاديمي ليقف أمام الطالب بكامل بساطته وعفويته ومرجعياته الفكرية وهو يقدم له النصيحة والتوجيه ويساعده على الابتكار والتنوع. وفي كتاباته النقدية للعروض المسرحية والمهرجانات التي قدمها القسم يقدم اوراقه امام القارئ وهو يقدم قراءة شامله ودقيقة للعرض المسرحي بما فيه من ملاحظات بدءاً من قراءة النص المسرحي وافكاره الموضوعية والفلسفية وصولاً الى سينوغرافيا العرض وجمالياته وأدواته وآليات تشكيل الفضاء، فتارة يكتب للعرض وهو يثني على الجهد الذي قدمه الطالب وتارة ينتقده في بعض أجزاءه التي لا تتناسب مع فضاء العرض، حيث يقدم مشغله الكتابي بأسلوب تعليمي مشخصاً الخطأ باحثاً عن اسلوب تربوي في تقديمه ورقته النقدية التي يقدمها للقارئ.

خارج الدرس …   

أخذ الكادر التدريسي في كلية الفنون الجميلة / جامعة الموصل على عاتقه تقديم المهرجانات المسرحية للمخرجين المتمرسين في المسرح من اساتذة القسم وهذا يأخذ جوانب عدة منها اولاً: ممارسة التدريسي عمله في الاخراج او التمثيل او الكتابة، وثانياً: مشاركة الطلبة بتجارب جديدة وروئ مختلفة يكتسبون منها الخبرة والمعرفة العملية مع أصحاب الاختصاص الذين يتعلمون منهم بشكل مباشر عن طريق الاحتكاك، والتدريب والتحليل والتفسير.

تنوعت التجارب المسرحية الاخراجية لأساتذة قسم الفنون المسرحية ما بين الحداثة وما بعدها وما قبلها. وقد قدم كل منهم اسلوبه في الاخراج والتمثيل بحسب رؤيته الاخراجية واسلوبه الادائي، وهنا لابد من ناقد يكتب للعرض المسرحي ويكشف خفاياه، فظهر المشغل الكتابي لـ (د. محمد اسماعيل) وهو يكتب عن تلك العروض (خارج الدرس) أي: أن ما يكتبه من كتابة نقدية هي ليست للطلبة وانما للمتمرسين والمحترفين من المشتغلين في المسرح، فنراه ينتقد بشدة وبصراحة وقوة للمخرج / المتمرس الذي يقع او تغيب عنه توظيف او استخدام لطريقة تناسب العرض المسرحي وتضعه في المقدمة، فهو يبحث دائماً عن الجمال في فضاء العرض المسرحي الخالي من العيوب والاخطاء. فهو درس / خارج، وأنا أذكر انه كتب عن مسرحيته (نديم شهريار) التي اخرجها وكنت حينها ممثلاً فيها حينما كنت طالباً في الكلية، (أما شخصية المارد فمثلها عقيل ماجد الذي لم يستثمر الملاحظات والتوجيهات التي قدمها المخرج له، فكان أداءه أقل تأثيراً وحضوراً بالرغم جهاده في أن يسمو بطاقته الى مصاف حنان ووسام). أي أنه يكتب عن نفسه وعروضه بموضوعيه تامة ليكون دقيقاً وأميناً لمستقبل العرض والكتابة وهو يدرك أن الحرف لابد أن يكون صادقاً ودقيقاً في كتابة التاريخ ، ونراه يكتب مطولاً عن عرض (انتقام هام … لت) للمخرج الدكتور عباس عبد الغني، ويقول (قدم الاستاذ عباس عبد الغني عرضا قال عنها انها مسرحية، فلو انطلقنا لنقد تجربته بدءاً بالعنوان فقد ثبت في موشور العمل انه مسرحية وللمسرحية شروطها الفنية تأسس تقديمها وفكرتها وشخوصها واسلوبها وجمهورها، ولا نعلم أن توفرت هذه الشروط في العرض) فهو يضع النقاط على الحروف في كتاباته خارج الدرس عن طريق تلك المحاولات النقدية المتميزة. اما عرض (الحقيبة) للمخرج منقذ البجدلي فقد ذكر كلمته المشهور:(سيكون هناك نقطة تحول في تاريخ المسرح العراقي أشبه بالتحول الدراماتيكي للحادي عشر من سبتمبر، أي ما قبل الحقيبة وما بعدها) وهذا ما حصل بالضبط عندما تنبئ للقادم عبر ذلك المشغل الكتابي من ورقته النقدية للعرض المسرحي فقد حصل تحول في افكار المخرجين الذين أتو بعد (منقذ البجدلي) وهم يحاولون السير على خطاه في العروض الجسدية والرقص الدرامي. وتأتى ذلك من خلال تلك الورقة الذي اثارت حفيظة الكثير من المتلقين والقراء للمسرح، إن خارج الدرس لـ (محمد اسماعيل) هي قراءة اخرى ومفهوم جديد واسلوب يرتقي لتلك الكتابات النقدية التي تبحث عن مشغل يشار له بالبنان ويكتب عنه، عبر تلك القراءة العميقة للعرض المسرحي.

ومما تقدم يشكل هذا الكتاب اضافة نوعية وتوثيق حقيقي للعروض المسرحية التي قدمت في مدينة الموصل سواء داخل الدرس او خارج الدرس، وهو يكتب لتاريخ أجيال عملت في المسرح، وقدمت نتاجاتها الفنية والمختبرية بوعي معرفي وجمالي. أبارك للدكتور محمد اسماعيل الطائي هذا المنجز النقدي والتوثيقي واتمنى له دوام الموفقية والنجاح في مشاريعه القادمة، وقطوف من سّنا.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.