الشماغ الأحمر

0 324

نادية عبد الوهاب خوندنة – السعودية

 

وصلت المطعم في الساعة التاسعة تمامًا، في الموعد المحدد لحجزي، ولو لم أحرص على حجز طاولتي منذ عدة أسابيع لما تمكنت من الاحتفال بمناسبتي الخاصة في هذا المكان الجميل، المطل على مدينتي الساحرة جدة، والذي أحبه كثيرًا، ولي فيه مع زوجتي الراحلة سلمى ذكريات عزيزة، فكم من مرات ضمنا فيه ركن هادئ، منسق بورود وأزهار على ذوق سلمى الرفيع، ولم تنس قط أن توصي بالشموع التي تحبها كثيرًا، لتضيف رومانسية بهيجة للاحتفال بذكرى زواجنا.

قادني الجرسون مرحبًا بي إلى طاولتي؛ طاولة شخص واحد بالطبع. أعني أنه كان هناك كرسي واحد فقط. ترددت في السؤال لمَ لم يكن هناك كرسي آخر؟ علني أتخيل وجود حبيبتي الراحلة معي، لكني لا أحتاج لمجرد كرسي خشبي ليذكرني بها، فهي لا تبرح خيالي أبدًا؛ بل أني أحياناً أحس بأنفاسها، وحرارة جسمها بقربي، أما صوتها “الدلوع” فهو موسيقاي الكلاسيكية في كل وقت وحين.

سعدت بموقع طاولتي. كأني في خليج هادئ بين جزيرتين، إحداهما عن يميني بمجموعة كبيرة جدًا، حوالي عشرين شخصاً من جميع الأعمار. البِشر والسرور يحلقان في سمائهم وقد بدا لي أنهم يحتفلون بتخرج ابنتهم، فقد اعتمرت قبعة الخريجين طوال الوقت، وكم تأبطت باقات الورد الجميلة واحدة تلو الأخرى وهي تلتقط الصور لنفسها طبعاً، وهل ستفوت مناسبة مثل هذه بدون توثيقها على وسائل التواصل الاجتماعي؟!

غرد قلبي سعيداً لها. كيف لا وأنا الأب المحب لابنتين يفخر بهما أي والد، ولكن يا حسرتي أينهما مني اليوم؟ وقد قاد إحداهما الطموح العالي لمواصلة دراساتها العليا في أمريك؛ والأخرى استقرت في المنطقة الشرقية وشغلتها مسئوليات الزواج والأسرة.

ولعمري كم كانت أم الخريجة توزع الاهتمام والترحيب والحفاوة بالجميع، حتى خُيّل لي أنه قد نالني طل خفيف من كل ذلك؛ بل بلغ بي التوهم الجميل من نظراتها الحنون- أو لعله التمني – أنها كادت تدعوني للانضمام إلى طاولتهم.

 أما عن يساري، فقد كانت هناك مجموعة أصغر، ولكنهم أيضاً كانوا من أجيال عديدة ولديهم احتفال سعيد من نوع آخر. كان جل اهتمامهم موجه للجد والجدة اللذين كان يحتفلان، فيما يبدو بذكرى زواجهما، ربما الذكرى الستون أو أكثر.. يا لروعتهما! لازال يبدو في بريق عينهما ونظراتهما وابتساماتهما المتبادلة حب وهيام كبيران. بالتأكيد، كان الأمر كذلك وليس اسقاطاً لذكرياتي الهانئة مع محبوبتي سلمى.

أنهيت عشائي برغم الغصة المريرة في قلبي، أحكمت وضع شماغي الأحمر ثم طلبت الحساب ونويت نفح إكرامية باذخة.

فأجاني قدوم عدد من الجرسونات باتجاهي، وإحداهن تحمل كيكة شكولاتة صغيرة وعليها شموع متوهجة، ثم بدأ غناءهن الجماعي ” عيد ميلاد سعيد”، ولسعادتي الأكبر أن شاركهم الغناء سكان الجزيرتين من حولي!

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.