نصوص
مهدي النفري – هولندا
في الحجاب، أسئلة دون زرقة اللون
أنتبه الآن أنني أضع صورة لي في خزانة الطعام، وجهي لا يمكنني رؤيته واضحا لكني تعرفت على ملامح سهم يحمل الكثير من الحمرة كأنه خارج للتو من فريسة،
الآن أقف أمام حصان تلك الصورة وأجري تحت جناح الليل لأستغرق في سبات المعنى، أكرر تراب الخطيئة للمرة الألف، في كل مرة يقف راهب يمسح من خدي دمعًا كثيرًا يبدأ بتلقيني ماهية حدود الجسد وهو يلتقي -لأول مرة- ظله الأبدي تحت طاولة القبر،
شجرة باسقة كانت تلك الكلمات التي ارتميت في حضنها من شدة الخوف، مع ذلك مسحت التعب عن كثير من العقارب وشربت كثيرا مما تحمله من سموم ظنًّا مني أنني أرتوي من حليب امرأة مقدسة خدمت في المعبد طوال عمرها، لكن الحقيقة أنها كانت إلهاً من حجر وندم، نزفت كثيرا كي تشرب ذاك الكأس، كأس الحقيقة، الحقيقة التي التمعت في عش الثعابين.
من قتل ظلي
أنا الوحيد في هذه اليابسة، فوقها، داخلها، كما رحم أم لم تنجب أبدًا ولم تذق طعم الحمل في حياتها
أنا صهيل تلك العربة التي تجر الإنسان نحو آخر لحظاته
دمع ظله الغزير كغيمة مدت يدها لتطلب الغفران من دجال يعيش على طعام القديسين
أخبرني الندم تكرارًا أن أشرب مرتين من الكأس نفسه
لكني كنت طفلا، فشربت منه بلا عدد، حتى بان الشيب في شعر رأسي، وقتها تحقق حلمي الوحيد أن أكون بلا ظل واحلق عاليا مقطوع الجناحين
للكلام رعشة فم، للحياة بئر، وللجنة ملائكة يندبون حظهم من قلة الأحياء
ها انا أقدم لروحي القربان، أشتم الشجر والشمس والماء ولا أبالي بكل الجوائز وهي تمضي دون فارس وفرس
من أجل هذا العكاز صرت راعيا لقطيع من النسيان
ذاك المد والجزر أطفال البحر يخرجون كل يوم للملأ، يغرسون حطب النسيان في أطراف أصابعي
مرارًا رأيتهم يتصارعون من أجل الحصاد، رأيت روحي أيضًا تنام في قارب عودتهم، قارب مهجور تتبول فيه النوارس الجائعة والأسماك الميتة، رأيت نسورا تأكلنا جميعا ثم تقذفنا بعدما تشبع منا، رأيت ضفيرة خفاش يجلس وحيدًا في عتمة الليل ويبكي غياب النهار
رأيت حمرة الغروب تزأر كلما اقتربت الملوحة من حبة القمح،
رأيت زرقة اللون تشبه البياض لدرجة الظلام
فائض
سأكتب كما لو أني قلت كل اللغة،
في السابعة من -مساء اليوم- رأيت غرابًا يتوسد حجرًا في حديقة جاري،
جاري الذي مات قبل عشرين سنة عاد اليوم إلى بيته، يحمل نعشه على ظهره فرحا، يدمدم بلغة لم أفهم منها شيئًا، عودة جاري لم تكن مثار دهشة لي لأني رأيت عشرات القتلى في حروب بلادي يعودون على أكتاف أحبتهم، بطريقة وأخرى، أحياء وأموات، لكن الحيرة التي امتلكتني، دموع الغراب التي حفرت تلك الحجرة.