يوميات امرأة تكتب

0 531

حنين عمر –شاعرة جزائرية-سماود

حينما فتحت عينيّ في هذا الصباح، لم أتوقع أن يكون هذا يوما جميلا بكل مقاييس الفرح العالمية، مفصلا على خافق ابتساماتي كأغنية شهية لها إيقاع أحلامي، بدت غرفتي أقل حزناً وأكثر فوضى، وأنا انزل من السرير ببطء بعد نظرة خاطفة على موبايلي، وهي الحركة الاعتيادية التي أقوم بها كلما أطلت الشمس على هذا العالم، ربما لأني انتظر يوما مختلفا يأتي في شكل رسالة قصيرة تنتهي بعلامة تعجب!.

لم يكن لي مزاج أن أفتح أي حوار مع علامة الاستفهام على طاولة ذهني هذا الصباح، كنت أفضل فتح حوار مع الماء على جسدي أولاً ثم فتح حوار آخر مع خزانة ثيابي لأختار شيئاً ما له طعم مختلفٌ اليوم !.

اخترت قميصا زهريا وسروال جينز مطرزا بالزهور، ولبست بسرعة حذائي الأبيض الجديد، بعد أن أشعلت أغنية صاخبة في هدوء بيتنا المنسي في مكان ما من ذاكرة الفراغ.

ثم جمعت أغراضي دون اهتمام في حقيبة يدي الكبيرة والتقطت مفاتيحي لأخرج!. وضعت المفتاح في القفل الأول وأدرته، لكن حركة خفيفة في الطابق الأعلى أثارت انتباهي، حاولت أن أتجاهلها في البداية لكني حينما أنهيت إغلاق القفل الثالث وجدت نفسي دون وعي مني أهتم بهذه الحركة التي تكررت والتي تشبه وقع تدفق الماء من أعلى إلى أسفل.

أنا امرأة شجاعة جداً، لا تخيفني الأشباح ولا العفاريت ولا الغيلان. حينما كنت صغيرة تروي أمي أنها لم تستطع يوماً تخويفي، ولعل من أجمل رواياتها عن شجاعتي هي حكاية الغول، الذي حاولت أن تخوفني به لكي أنام – فقد كنت لا أحب النوم أبداً- فأخذت تقول لي: إذا لم تنامي سيأتي الغول ويأكلك! – كنت يومها في الثالثة من عمري، استلقيت قليلاً، وأغمضت عيوني كي أخادعها، وبمجرد أن أغمضت عيونها واطمأنت لي، تسللت من السرير نحو باب الغرفة فاستيقظت وأسرعت بالإمساك بي قائلة: ألم أخبرك أن الغول قادم؟ ضحكت بخبث وقلت لها: أنا لن أنم، لأني أريد أن أرى الغول!. لم تكن أمي تعلم أن فضولي الطفولي سيكبر معي، وسيتحول إلى فضول من نوع آخر في أشياء أخرى، وأن شجاعتي الصغيرة، التي كانت تجعلني أطفئ التلفاز وحدي ليلاً، وأذهب بمفردي للنوم في الظلام، ستتحول إلى شجاعة من نوع آخر فيما بعد، وفي أمور أخرى، أكبر بالتأكيد من الصعود إلى الطابق العلوي بحثا عن مصدر حركة غريبة!

ولكنني حينما صعدت، واجهني المكان بفراغه المريب، فقررت أن أنزل بخيبة “حنين الصغيرة” التي توقعت رؤية الغول الذي تأخرت زيارته، لكن خيبتي حلقت فجأة مع جناحين أسودين ظهرا فجأة من بين سلالم الطابق العلوي وانكسرا على زجاج الشباك.

كان ذلك طائرا غريبا أسود لم أر مثله في حياتي يشبه السنونو لكنه أكبر حجماً، اقتربت منه وهو يصارع الزجاج بإلحاح، وبدا أمر مساعدته مهمة صعبة جداً، فهو بالتأكيد لن يستسلم لي حتى أتمكن من الأمساك به، ولن يكون بوسعي تضييع الكثير من الوقت في الركض وراءه قبل الذهاب إلى الكلية .

مع ذلك أنا امرأة تحب أن تحاول. أحاول دائماً، حتى حينما تبدو الرهانات خاسرة بشكل حتمي، أن أفعل شيئا ما لتغيير البديهيات والنظريات الثابتة، ربما لأن الثبات لا يعجبني والحركة طبيعة الطبيعة!

مددت يدي نحوه، وطبعا كالعادة فإن غير العادي يحصل دائماً حين أمد يدي إلى أي شيء ! فاستسلم العصفور لي، أمسكته بهدوء تام وشعرت بقلبه ينبض بين أصابعي وبدفء جسمه الصغير الأسود المخيف، نزلت الدرج بسرعة راكضة حتى وصلت إلى شباك الطابق الأول المكسور، فمددت يدي عبره، أطلقته من بين أصابعي فطار وغاب بسرعة البرق في الأفق تاركا على شفاهي ابتسامة السماء بعد المطر.

للتواصل مع الشاعرة

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.