جدلية المحو والرقش في تجربة كائنات ضبابية للفوتوغرافي السعودي خالد المرزوقي

ورشة فن - فوتوغراف

0 495

طلق المرزوقي- السعودية-سماورد

في مجموعة الفوتوغرافي خالد المرزوقي (كائنات ضبابية)، يقوم المصور بممارسة عملية الحجب على الأنثى. الأمر الذي يبدو ظاهراً في الشرق. هذا النوع من ممارسة عملية المحو تجاه الأنثى في النص (الصورة)، ما هو إلا اتساق مع النسق الثقافي الذي غيب المرأة عن الحراك الاجتماعي. هو من دون شك مستوى من مستويات الموت. إن الصورة بوصفها وثيقة عكست حركة المرأة داخل المجتمع الذكوري، والذي يدفعها دوما من دائرة الفعل الاجتماعي/الحضور، إلى الهامش/الغياب. هو ما جعل الذات الراصدة لدى المصور راغبة في أن تكون شاهدة على فعل التغييب الذي لحق بالمرأة في مجتمعنا. وهنا يأتي دور المتلقي ليستجلي ما هو خاف ومتوار،  ومحاولة البحث عن علة الإخفاء القسري للمرأة. يبدو لي كقارئ أن اللغة البصرية بكل تشكلاتها اللونية والدلالية داخل الصورة سوف تساعدنا على استجلاء دلالة المحو، و التي ظهرت لي على النحو  التالي:

دلالات اللون

المعروف في الثقافة أن لكل لون دلالته الرمزية المستقرة في وعي المتلقي، مما يجعل كل لون يتحول إلى فضاء دلالي. وفي هذا السياق يقول رولان بارت (إن اللون في حد ذاته لغة ناطقة)، وفي النص البصري المكون من سبع وحدات بصرية نجد أن المفردات اللونية الطاغية هي كالتالي: الأسود/الأحمر/فما الدلالة الكامنة في هذه الألوان؟.

دلالة السواد

يرى عبد المجيد جحفة أن للون الأسود دلالة المكر والخطيئة، حيث قال (إن الشيطان لا يمارس سلطته في واضحة النهار، إنه ينتظر الغفلة، يترقب غياب التركيز النهاري الذي يسمح به ضوء العقل، وعلى المخلوق النهاري أن يتصدى للشيطان فيطرده من دائرة ضوءه). ومن دلالات الأسود أيضا الليل/ ليل الهيام والعشق، والذي ارتبط في وعي الناس بالفتنة، واللذة، والشهوة، والغواية،  والسحر الأنثوي/الجنس. إن طغيان الأسود في الصورة يجعل المتلقي لا إرادياً يضع المرأة في مكانين مختلفين :

الأول أنها كائن شيطاني ماكر، متخف خلف السواد. ينسج الأحابيل لإيقاع الرجل في حبائله، التي هي حبائل الشيطان المؤدية إلى النار والعذاب المقيم، كما في نصنا الاجتماعي المتشكل في وعي الناس عبر تراكم تاريخي طويل.

الآخر أن المرأة خلقت متاعاً، يجب إخفائه خلف سواد العباءة، أو في ظلمة ليل بهيم. وهذا ما جعل العقلية الذكورية لا تتعاطى معها على أنها ذات مستقلة تشارك في حراك المجتمع.

هاتان المكانتان هما عملية محو يمارسه المجتمع الذكوري ضد المرأة. والمحو لذات المرأة مستوى من مستويات الموت.

دلالة الأحمر 

ارتبط الأحمر بعوالم الأنثى السحرية فهو طقس من طقوس الجنس في الذهنية الذكورية. كما أن من دلالاته الخفر والحياء، ألا يتورد وجه المرأة حين تخجل؟ إن الأحمر فضاء دلالي يوقظ في النفس الرغبة في امتلاك الأنثى وحجبها عن الأعين، و تحولها  إلى محظور أحمر على الدوام .

 ومن دوال الأحمر أيضا السلطة. اللون الملكي الذي يسن القوانين والأعراف للناس فلا يتجاوزها أحد. وهنا يكون هذا الربط  بين المرأة والأحمر نوعا من الإلغاء والقمع لهذه الفتنة التي يوقظها حضور المرأة، في فضاء المجتمع المحافظ .

في هذه الوحدات البصرية، تماهى المصور مع الخطاب الاجتماعي الذي  أنزلت المرأة فيه منزلة المحظور؛ بل ربما نمعن ونقول منزلة دنس، اقتضاها منطق المجتمع الذكوري. مما يدعو إلى الاستغراب، من هذا التفاعل السلبي مع المرأة، والذي غذّته صرامةََ مقاييس التلقي المتراكمة في وعيه عبر تاريخ طويل من التخلف، والتي لم يستجيب لتغييرها الخطاب الذكوري، رغم كل هذا الزخم الحضاري الذي يحيط بنا من كل جانب .

إذا تلك المتواليات البصرية تقيم ذلك الجدل بين عمليتي المحو والرقش. فالرقش هنا هو محاولة المصور استجلاء ماهية الحضور الأنثوي في الحراك الاجتماعي، وإن كان على استحياء عبر الصورة وتوثيقه من خلالها  كشاهدٍ على هذا الحضور. وهو أيضا تأكيد ضمني لحضور المرأة   في المجتمع، رغم عملية الإزاحة القسرية التي تمارسها الذهنية الذكورية على المرأة. والمحو هو محاولة المجتمع المستمرة والدائمة – من خلال منظومته الأخلاقية – تأبيد مكانة المرأة في الهامش،  وزحزحتها دائما إلى خارج دائرة الحضور الاجتماعي الفاعل، أي ممارسة الإمحاء لها بشكل مستمر لا يخلو من العنف.

https://samaward.net/wp-content/uploads/2019/08/خالد-المرزوقي5.jpg
https://samaward.net/wp-content/uploads/2019/08/خالد-المرزوقي4.jpg
https://samaward.net/wp-content/uploads/2019/08/خالد-المرزوقي.jpg
https://samaward.net/wp-content/uploads/2019/08/خالد-المرزوقي-3.jpg
https://samaward.net/wp-content/uploads/2019/08/خالد-المرزوقي2.jpg
https://samaward.net/wp-content/uploads/2019/08/خالد-المرزوقي1.jpg
قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.