ديباجة
يعد المسرح حالة ثقافية متلازمة مع الإنسان منذ وجد، وبغض النظر عن مظاهره الأولى التي ظهرت وتطورت مع الإنسان وحضاراته المتعاقبة، فإنّ المسرح بقي في حالة تحول مع هذه التقلبات في الحياة الاجتماعية للإنسان، ومع تسارع حالات التطوّر كان المسرح من جهته وأهله يطوّرون أساليبهم الفنية والجمالية معه.
فكان منذ البداية بظهور الممثل ثم جاء “سوفوكليس” ليجعل منه نصا مسرحيا وليخلق الحوار المسرحي ثم تتطور اللّغة المسرحية أكثر حتى تخرج من عباءتها الدينية والطقسية وتحرر المسرح من الكنيسة والسيطرة الدينية، حيث كان هم المسرحيين البحث بكل الوسائل عن صيغة للتقرب من الجمهور أو الطريقة المثلى للوصول إلى الجمهور… وبالطبع كون المسرح حالة متلازمة مع المجتمع فكان لابد من تلازم تطور اللّغة المسرحية مع تطور المجتمع بل ومحاكاة الحالة الاجتماعية، فتطور بناء المسرح من الخارج وتطورت لغة النص وأهدافه وأساليبه بل ونشأت المدارس المسرحية المختلفة والمتناقضة ببعض الأحيان على يد مخرجين مسرحيين، اختلفوا في مناهجهم ورؤاهم لكنهم اتفقوا على هدف واحد…
كل هذا التطوّر الثقافي المسرحي كان عبارة أرضية لتطور الجمهور وتفاعله مع هذا التطور مما جعله في حالة إشباع ثقافي متنوع وذو أصول عميقة الجذور، ومع هذا الإشباع الذي اتخم به الجمهور الغربي بدأ البحث من قبل المسرحيين والأدباء والفنانين عامة، وفي كل مجالات الفن دفعهم هذا الإشباع إلى البحث عن الجديد والجمهور كانت لهم اليد الطويلة في حث هؤلاء على التطور فبدأت المدارس المسرحية بالظهور وكذلك الأشكال المسرحية الجديدة والمتنوعة في الظهور، فكسرت ضوابط كثيرة بني عليها المسرح كضوابط أرسطو ووحداته ، ثم تطور الأمر لكسر الحاجز بين الصالة والجمهور ثم تطور لإلغاء الكواليس التي كانت تخفي أسرار العرض المسرحي عن الجمهور، وكذلك قاموا بكسر تلك الأبهة والفخامة التي تبنى بها الديكورات المسرحية وتحولت إلى سينوغرافيا المسرح الفقير والرمزي ومع تطور الفن التشكيلي عبر مدارسه كان هناك تطور للسينوغراف.
إذن نستطيع القول أن حالة التخمة الثقافية والفنية لدى الجمهور الغربي دفعت إلى تطور فن المسرح بالإضافة إلى عامل آخر مهم، وهو الثورة الصناعية التي فرضت بالضرورة تطورا تكنولوجيا على العرض المسرحي وكان ظهور التلفزيون والسينما محرضا قويا للبحث عن أطر جديدة ومدارس ومذاهب مسرحية جديدة، فحاول المسرحيون اختراع أشكال أخرى والخروج بالعرض المسرحي من علبته المغلقة إلى الشارع أو الفضاءات المفتوحة.
التجريب في المسرح .. صراع بين التأصيل والتأسيس نحو التجديد
يجب علينا أن نفهم أو نتفق على مصطلح “التجريب” في الممارسة الفنية المسرحية ونخرج بمفهوم واضح المعالم والأهداف ثم ما علاقة التجريب بالحداثة والأساليب الإبداعية الجديدة على غرار “المسرح ما بعد الدراما” (ما بعد الحداثة) وهل التجريب يكون على تأليف (الكتابة) النص المسرحي ام على مناهج الإخراج المختلفة؟ وكيف يمكن أن نرى تجربة المسرح الطليعي؟ إذا انطلقنا من مفهوم التجريب الذي يسمح بعصرنة أي بتجديد العرض المسرحي اخراجا ونصا حتى نفوق المألوف سواء كان متبعا أو مبتدعا فإننا أمام مشكلة عويصة في تحديد هذه التجربة المخبرية في الممارسة المسرحية. لأنها ببساطة لم تنطلق من رصيد معرفي سابق وصل إلى ذروة الإبداع الفني في أشكالها الأرسطية.
إن العملية تجريبية تقوم باختراق المألوف في بناء العرض ولكن يجب تكون على أسس المعرفة لما سبق من تجارب في زمان والمكان. لذلك لا أعتقد أننا مجبرين على تحديد المفهوم في الممارسة وتوضيح المصطلح حتى لا يكون التجريب أي شكل وأي نص وأي ممارس.
عندما يخوض الاختصاصي البيولوجي عملية التجريب يعتمد على جملة من المعارف والنظريات التي تسمح له بالتحكم في العملية المخبرية. نفس الشيء في التجريب المسرحي وفي الممارسة المسرحية. لا يمكن للتجريب أن يكون فقط موجة عابرة بل هو ضرورة معرفية تخترق الزمان والمكان. لا أريد الدخول في التجربة الأوربية و الأمريكية لأن لا تكفي المساحة فقط أشير إلى “ليفينك تياتر أو مسرح الغرفة ” في أمريكا الذي يدخل في مفهوم التجريب في الممارسة المسرحية وفي نفس الفترة كانت مسارح برودوي تبدع في إبهار المشاهد بعروض مسرحية تجاوزت المألوف ولكن لن يسميها النقاد الأمريكيين “بالمسرح التجريبي” نفس الشيء في فرنسا المسرح الوطني الشعبي والكوميديا دي باريس في باريس كانوا يبدعون في بناء العروض دون أن نسمي ذلك مسرح تجريبي وكذلك “البيرلينر تياتر في برلين وفي رويال شكسبير في لندن دون أن يسمي ذلك “بالمسرح التجريبي” ظهر المصطلح بعد الخمسينيات من القرن الماضي بعد ما انتشر منهج ميرهولد في تجاوز النص وتفجير العرض على الركح اعتماداً على الممثل خصوصا بعدما أسست تجربة معرفية لقروطوفسكي في “المسرح الفقير” الذي كان يلهم أساسا الشباب في خوض التجربة المسرحية دون التمويل المالي الضخم لبناء العرض. نذكر على أثر ذلك تجارب “مسرح الشمس” لاريان منوشكين التي تدخل في جوهر عملية التجريب في الممارسة المسرحية أو ما تسميه “المسرح السوسيو انتروبولوجي” مصطلح “تجريب” يشير إلى الفعل الحادث في مختبر معين مختص لتأكيد نتائج معينة أما في الفن المسرحي فهو عملية إبداع تنطوي على إيجاد شكلا وأساليب جديدة مغايرة للمألوف. ويمكن لنا اعتبار العرض المسرحي المندرج في مناهج التجريب عرضا مسرحيا يتميز بالجدية والمعرفة لكي يخرج عن المألوف ويضيف القيمة إلى رصيد التجربة المسرحية ليس فقط على المستوى العربي بل والعالمي.
كل عناصر العرض (ممثل، سنوغراف، مخرج، كاتب، موسيقي) يجب أن يكون ملما بالعلوم الإنسانية والاجتماعية والأدب والتاريخ والديانات والتكنولوجيا واللسانيات والفلسفة والرقص والسينوغرافيا والفنون التشكيلية نظريا وتطبيقيا. يجب أن يكون موسوعة متحركة تقود تركيب العرض على الخشبة المسرحية وزيادة على ذلك يتقن المعارف السيكولوجية في التعامل مع البشر. استقلت سلطة المخرج و أصبح باستطاعته الإبداعية الفكرية أن يكتب النص المسرحي ثانية ويفجر منه صوراً لم يكن الكاتب ينتظرها ونأخذ مثال بيتربروك وكل أعماله الفنية تتميز بالكتابة الثانية. فالمخرج هو قبل كل شيء مفكر صادق بأدوات مسرحية الدرامية في التعبير عن الوجود بمقاربة فنية ورؤية جمالية مركبة من عناصر الحياة نفسها في حدود الزمان والمكان.
الإخراج قبل أن يكون ممارسة مجموعة من التطبيقات والنظريات. هو رؤية شاملة للحياة. هو رؤية فلسفية الوجود تتجلى في إمبراطورية من العلامات ينتجها العرض وبوجهها في اتجاه المتلقي
إذا غابت هذه الرؤية الجمالية الفلسفية للوجود. ضاع العرض وسط جملة من التطبيقات الجوفاء لهذه النظرية أو تلك.
إن المسرح لن يعرف بداية جديدة وقوية إلا إذا فهم عمق أزمته، من خلال المساءلة والاستنطاق والاستحضار على مستوى الفضاء والزمان، وفي هذا الباب إذا أخذنا تجربة عبد كريم برشيد في كتباته الذي يزخر بالحلم العربي والهوية العربية والألم العربي، أطلق عليه مصطلح الاحتفالية، ميلاد مشروع فني جديد يسعى نحو تأسيس مسرح عربي واع يحاور التراث ويسايره وينتقد الذات ويتجاوزها. مثال على ذلك
يعدّ ̎عبد الكريم برشيد̎ من أبرز الكتاب المسرحيين في المغرب منذ السبعينات، ولقد حاول منذ البداية طرح مجموعة من الأسئلة النقدية التي تعمل على غربلة الإنتاج المسرحي العربي وتصنيفه إلى تجريبي يحمل سمات التغيير والتأسيس، وقديم لم يستوعب بعد مقومات الحداثة وشروط التجريب، ومسرح دخيل مقتلع من أرضيته منسوخ في قوالب جاهزة، ومسرح غير مكتمل لكنه موصول إلى وجود سابق في صورته التاريخية أو التراثية الشعبية، يستمد شرعية وجوده وقابلية الاستمرار من خلال ظروف أفرزتها الساحة والواقع والشارع.
ضمن هذا التصور نطرح جملة من التساؤلات. هل العودة إلى التراث الشعبي والبحث عن عناصر درامية قابلة للمساءلة والمسرحة على ضوء الحاضر هو نوع من التجريب؟، هل يعد غياب دراسات معمقة في مجال التراث العربي هو السبب الرئيسي في تأخر تأسيس مسرح عربي بملامح عربية أو هناك أسباب أخرى؟. هل يمكن تجاوز التراث الشعبي والتجربة المسرحية الغربية والسير نحو إبداع مسرح عربي جاد متقاطع مع الصراع الحضاري الراهن يسعى نحو ترجمة الواقع المعطى وإذابة الطبقات الغليظة المتراكمة في فكر الجمهور، إذ لا يمكن قيام مسرح مكتمل في غياب متلق واع ومنصهر في اللعبة السياسية الثقافية في مجتمعه؟، إذا كان الذات العربية في عصور غابرة قد فهمت حالاتها وتحولاتها في تقاطعها مع ظروف عصرها، فأوجدت لذلك أشكالا فرجوية كالحلقة وخيال الظل والحكواتي….، لماذا تعجز اليوم عن مساءلة واقعها بعمق وإبداع فرجات مسرحية جديدة قريبة من وجدان الأمة العربية المتخبطة في صراعات حضارية وأخرى وجودية، شهدت ثورات سلمية وتغييرات جيوسياسية على فضاء الواقع ، لكنها لم تشهد ثورات حقيقية على فضاء الركح؟.
مبدأ التفاعل في الفعل المسرحي الداخلي والخارجي، المبدع المسرحي بين طبيعة الجمهور وطبيعة العرض
يُعتبر الجمهور أو المتلقي في المسرح ركيزة أساسية لا يمكن الاستغناء عنه أو الالتفاف حوله كما قد يحصل مع الفضاء أو النص أو في قليل الأحيان مع ”الممثل” وتعويضهم ”عبثا” بتجارب انسياقية تضر بالمسرح أكثر من أن تفيده. فلا مسرح بدون متلقي ولا وجود لفرجة درامية في غياب المرسل الركحي والمتلقي.
لقد أهتم علماء الاجتماع حديثا بظاهرة المتلقي ونذكر- بيار بوردو، برنار دور، جون دوفينيو، اصلان، اوبيرسفالد، رولان بارت -.. الخ…فتاريخ الفن المسرحي كان دائما مرتبطا ارتباطا وثيقا بالجمهور الذي يتشكل من مجموعات بشرية مختلفة بحكم ان المسرح مرتبط هو الأخر بالمدينة والأبعاد السياسية والدينية والفكرية من خلال الانفعال الجماعي.، ذلك أن العلاقة بين الخشبة المسرحية (الفضاء المسرحي) أو المنصة علاقة إرسال وتلقي ومتعة.، فالجمهور هو الشرط الأساسي والضروري لوجوب الفعل المسرحي مهما كان نوعه وشكله.
إن الجمهور بمفهومه الحديث ظل معزولا عن ردود فعل الأحداث في المجتمعات العربية ثم تأخر ظهور الفن المسرحي بمفهومه الحديث. فالنظم السياسية لم تستجيب الى دعوة مشاركة الشعوب في الأحداث المصيرية. فإذا كانت الدراسات التي تناولت هذه الظواهر الاجتماعية بامتياز قد عجزت عن توضيح طبيعة هذا الجمهور في حدود المعرفة العلمية وليس جملة من الانطباعات الأدبية، ذلك لأننا نعيش ازمة متعددة الجوانب، أسفرت على الادعاء يفهم هذه الظاهرة المعقدة. وفي ظل هذه التناقضات يبقى الجمهور موجودا في حالته الخاصة.
يؤكد -رولان بارت- على أن عملية الاتصال بين المتلقي والإرسال والمشاهدة عملية ديناميكية يقوم بها شخص أو أشخاص بنقل صورة متحركة تحمل معلومات او أراء، اتجاهات ومشاعر إلى الآخرين لتحقيق هدف ما وعن طريق الرموز والإشارات. بعبارة أخرى فالحدث هو الذي يجسد عملية الاتصال بين المتلقي والمرسل (الممثل) وما يجري على الخشبة المسرحية بحكم ان المتغيران ثابتان، لا يستغني أحدهما عن الأخر في نسيج الأخذ والرد. مما أكده كل من- دفيد بيرليو وجورج جيربينر- في مجال الفنون الركحية. فالتصورات المشتركة والتواجد في مكان واحد وزمن واحد بحكم نتيجة ربط الأرض بالمتفرجين تحدد طبيعة وخصائص الجمهور المحتك اجتماعيا فهو شرط من شروط وجود هذا النوع من النشاط الإنساني.
تتميز ظاهرة الجمهور منذ غابر الأزمنة بالاتصال والتطهير catharsis) ارسطو) يشتمل التخاطب الاجتماعي في المسرح على ثلاث مجموعات بشرية مهمة و مرتبطة ببعضها البعض أولا الكتاب و ثانيا المؤدون، وثالثا الجمهور.
لقد كانت استحالة الجمهور سواء في الفضاء المغلق أو المفتوح دائما تحمل القبول أو الرفض لما يحدث من أفعال ومعاني وفقا للنوع المسرحي الذي يخص العرض.
تتجلى الحضورية المتلقي، على ضوء ما يقدمه الباحث والأكاديمي فرحان بلبل في العناصر الأربعة التالية:
- الإقبال بحماسة: المسرح الذي يثير الحماس في نفس الممثل أو في نفس المتلقي، كما الشعر في نفس الشاعر أو في نفس المستمع. وهنا أجدُ نفسي أقارن بالضرورة التقريبية حماسية المسرح بشعر الحماسة ومجالاته الكثيرة، وليست فقط ميادين المعارك هي التي تستنبط الحماسة، إذ غالباً ما يتبادر إلى الأرض أن شعر الحماسة هو الشعر المتعلق بالحرب، الذي يصف المعارك ويشيد بالأبطال ويتوعد الأصحاب. ورثاء أبطال المعارك، ومدحهم، أو فخر الشاعر ببطولاته في الحرب. فالشعر الحماسي قد نلحظه في مجال الفخر، ومجال الرثاء، ومجال الهجاء، ومجال الغزل. لأن في كل تلك المجالات يتطلب أن يتصف الشاعر أو السامع بالصبر، والجهاد، وتقوية الجأش… وما إلى ذلك من تحميس للنفس. كما كان يفعل عنترة في غزله الحماسي، حيث يصور نفسه بالبطل الأوحد بين عشيرته لأجل أن يظفر بحب عبلة.
وهذا ما يفعله المسرح بالمتلقي، خاصة في المبالغة في تقديم شخصيات الأبطال أو الزعماء وناصريهم، قوية وفذة ومقدامة واعتدادها بنفسها والتفاخر بها، وتزويدهم بحماسة الشدّة والحيوية والمنع والشجاعة والمحاربة الشريفة والإشادة بأمجادهم وانتصاراتهم في الحروب والمثل الرَّفيعة. وعلى العكس -تماما – تقديم الخصم والغريم وصفاً كريكتورياً، أو وصفه بالقوة الزائدة المفرطة؛ اللاإنسانية فيها. - الاندفاع إلى المسرح: الفعل الاندفاعي العقلاني، الناتج عن سلوك إرادي ومميز ينتاب المتلقي بفعل ما يقدمه المسرح من أعمال راقية، والذي على عكس فعل الاندفاعية السلبية الذي قد ينفر المتلقي عنه والذي يمكن يهدد الأهداف والاستراتيجيات الإنتاج المسرحي طويلة الأمد بالفشل. تقوم الاندفاعية على أساس وظيفي ترغيبي، في حال حصول المتلقي المسرحي من العمل المسرحي على نتيجة إيجابية، فالعامة لا تنظر إلى هذه الاندفاعية على أنها شيء سلبي، إنما دليل على الجرأة والشجاعة والسرعة والتلقائية وعدم النمطية. بالتالي، فإن الاندفاعية تتضمن وجود مكوّنين مستقلين اثنين وهو ما أسميه شخصيا بالفعل المسرحي المزدوج، وهو تصرف المجموعة المسرحية ((الركح/القاعة // العمل المسرحي/ المتلقي)) على القدر الكافي المتبادل من المداولة العقلية وحصول المتعة والاندهاش وقوة التوقع المقنع واللذة لدى المتلقي.
- الدفاع عن المسرح: يعدُّ المتلقي أول آلية للدفاع عن مسرحه، إلى جانب الوسائل القانونية والإدارية التي قد يوجدها الهيئات المشرفة على المسرح. فكيف تتمثل آلية دفاعية المتلقي عن المسرح؟
يحمي المتلقي الفعل المسرحي والدفاع عنه بواسطة اقباله الدائم والمستمر على الأعمال المسرحية؛ ونقدها وفق متطلعات ما تتقبله منه نفسه التواقة إلى الأفضل، والابتعاد عن كل ما هو توتر ناجم عن الأفكار أو المشاعر المرفوضة اجتماعيا وأخلاقيا وثقافيا. فالأعمال المسرحية التي تساعد الفرد المتلقي على إيجاد حلول أكثر قبولا من الناحية الاجتماعية والثقافية والفنية.، كما تفيد هذه الدفاعات في حماية المؤسسة المسرحية من تهديد الظروف المحيطة، ونوع الأسلوب المستخدم ودرجة تكراره في احترام المتلقي واحترام فعل صنع الفرجة المسرحية. في هذه الصورة يصبح المسرحُ الحقيقيُ مأوى معنويا، بالنسبة للمتلقي يلجأ إليه من تفاقم الوضع الاجتماعي أو النفسي أو الحياتي. وفي الحالة العكسية قد ينشأ لدى المتلقي نوع من الضغط والصراع لتعديل مبدأ العمل المسرحي السيء المنبوذ لصالح مبدأ الامتياز. وهنا يبدأ فعل الانسحاب من الفعل المسرحي اللا إبداعي، نتيجة للأعمال المسرحية المقدمة والمبالغ فيها من حيث ركاكة التعرض وسلبية الطرح وسذاجة الأفكار. فينسحب المتلقي دفاعا ذاته وعن قناعاته الفنية (بل حتى الحياتية) بنفسه من الموقف بصورة كاملة خوفا من معاناته أثناء العرض المسرحي وما يحمله من تناقضات. وتسمى هذه المواقف ”بالدفاعات ناضجة” وتتكون هذه الدفاعات خلال مراحل الحياة الفنية للمتلقي من أجل تحسين المجتمع البشرى والعلاقات الاجتماعية، واستخدام هذه الآليات يعزز الإحساس بالمتعة والتحكم بالذات، وتساعد هذه الآليات على إدارة الأعمال الفنية بصورة جيدة، قد يلجأ إليها المتلقي أو حتى الباعث الركحي من أجل الحفاظ على المنجز المسرحي أو الفني. - الخصومة المسرحية: تنقسم الخصومة المسرحية إلى قسمين: الخصومة مع المسرح والخصومة من أجل المسرح. والخصومة في واقع الأمر؛ قد تمثل نقيض المصطلح تماما، فنعني بها خصومة الاحترام وخصومة الصبر وخصومة التواضع وخصومة اليقظة وخصومة التقبل وخصومة التحمل وخصومة الحدس والتوقع قد يتخاصم الجمهور مع المسرح في محاولة رد الاعتبار والتقدير له، وقد يكون رد الاعتبار هذا نشأ نتيجة تقديم أعمال لم ترق إلى مستوى التلقي المفروض تواجده في العمل المسرحي. والعلاقات المبنية على عدم الاحترام نادرا ما تستمر، ونقص الاحترام من بين أكثر الأسباب المسببة للصراعات في العائلة والمجتمعات فما بالك في المسرح. يأخذ مصطلح التخاصم المطالبة بالاعتدال أو التوسط، في الأعمال الفنية وبالتالي إزالة أو تقليل الأفكار المتطرفة والبقاء في منطقة الحدود المقبولة للمفرد والمجتمع. كما أن صبر الجمهور على المسرح، من سمات التخاصم من أجل المسرح، فيصل المتلقي إلى مستوى تحمل الهيئة المشرفة على المسرح وما تنتجه من رداءة؛ لظروف صعبة مثل التجاهل أو الإغضاب أو الانتقاد أو الهجوم قبل أن يتحول إلى السلبية أو العدوانية والصبر هو أمر مستحب في جميع لأحوال.
وبعدما تعرفنا على مفردات حضورية المتلقي على العمل المسرحي، فما هي مفردات تأثير هذا المسرح في المتلقي؟
قد يجعل العمل المسرحي إقبال الجمهور عليه كما يلي:
- يترك المسرح تأثيراً ويحرض على المشاركة والتفاعل في الأفعال التي يصنعها أو يفرزها المجتمع، وبالتالي يكون المسرح صاعقا ومؤثراً؛ فيؤدي رسالته ودوره؛ لأن هذا المتلقي وجد في المسرح موضوعاته وأساليبه الفنية. فيجعل المسرح من المتلقي «أشبه بمعركة يغلي معها المجتمع.» لا يرتبط بالترويح عن النفس والتسلية فحسب بل يتعدى ذلك إلى ربط الاتصال الفعال للتعبير عن فكرة أو مفهوم أو شعور ما، يساهم بأنواعه وأشكاله «في إيجاد فرد سعيد ومتوازن».
- يصنع ترفا فنيّا؛ فيصبح المسرح بلا عنوان، ونوع من التسلية والترفيه وتظهر فوائده كأماكن اللهو العادية. بدل أن تكون له “وظيفة تعليمية الهدف منها نقل درس أخلاقي ضمن موقف درامي معين” وسيلة ذات قوة اجتماعية هائلة للتثقيف والتأثير والتوجيه إلى جانب الترويح والتسلية الهادفة
إذا كان الجمهور الأوربي يهتم بالعروض لان هناك مسار تكوين يمتد الى عصور من الزمن ولأن الدولة شجعت على هذا الاتجاه خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية وبناء النظام الديموقراطي العلماني الذي يتيح حرية التعبير المطلقة في حدود القانون. هل بإمكاننا أن نتحدث عن الجمهور والمجتمع لا يزال حبيس الرقابة المتسلطة يفتقد الى إدراك اهمية تحرير الكلمة المكتوبة والمنطوقة.
المسرح لا يمكنه أن يكون فن الجمهور إلا إذا كان إقباله الكثيف على المسرح «بحماسة له واندفاع إليه ودفاع عنه وخصومة معه ومن أجله، لا يمكن أن يترك تأثيره الاجتماعي والجمالي، ولا يمكن أن يدفع المجتمعات إلى التقدم وتغيير بنيتها الفكرية والاقتصادية
تكاملية المسرح تكاملية عناصره
(طبيعة البشر مبنية على الريتم الداخلي والخارجي، إذا غاب الريتم غابت الحياة فحتما تغيب المتعة).
يشكل الإيقاع هندسة داخلية حسية ضرورية لكل من الكتابة الأولى (النص المسرحي) والكتابة الثانية على الركح للكتابة الأولى واقصد الإخراج. فالريتم حتمي كما في كل الأعمال الإبداعية الفنية مثل الشعر والنثر والقصة والفنون التشكيلية والموسيقى والرقص إلى ما ذلك من إبداعات فنية مختلفة، فرض. يبقى إن الفن المسرحي يترتب على هندسة الريتم او الايقاع في تركيب العرض أو كتابة النص على تجسيد الفعل والحدث ويشترك فيهما كل من المؤلف والمخرج والممثل أساسا ليفرض نفسه على كل مفاصل العرض المسرحي، بحكم يتميز بإضافة الديناميكية للعرض، إن الإيقاع فضاء حسي سواء عند الكاتب أو المخرج أو الممثل. الأمر يختلف بالنسبة للمسرح ما بعد دراما فالإيقاع ينطلق من وحي المخرج لان الذهني قد لا يوفر ذلك.، يبقى على مسؤولية المخرج والممثل أساسا بالارتباط الوثيق مع كل المفردات الفنية الأخرى التي تشكل بناء العرض المسرحي. وهنا نذكر منهج ستانسلافسكي الذي يركز على نقطتين أساسيتين في إدارة الممثل هما أولا الفكرة والهدف في سلوك الشخصية الدرامية من جهة وشخصية الممثل المؤدي للفعل سواء كان لفضي أو فيزيولوجي جسدي، للكشف عن الخط المتصل بين المجموعات الأخرى الفنية في سير الأحداث سواء كانت مركزية أو جزئية. فالحوار والفكرة والهدف (مادي أو معنوي) هو الذي يحدد بصرية الريتم الداخلي الذي يتضمن الأفعال التي تجسد الشخصيات الدرامية، وتحديد مساراتها وكينونتها، وصراعه فالريتم أو الايقاع لم يعد مربوطاً بالنص بقدر ما هو مرتبط بعملية الإخراج الدقيقة المبنية على المعارف الفنية الثقافية المسرحية مثلما نلاحظه اليوم في تجارب المسرح ما بعد الدراما. تجارب ميرهولد كانت أساسا تنطلق لبناء الريتم من الرقص والموسيقى. ونذكر باربا واريان منوشكين وقروطوفسكي على سبيل المثال ليس الحصر الذين كانا يقومان ببناء عروضهما انطلاقا من تجربة المخبر المسرحي. فالريتم عنصر حسي أكثر مما هو تقني في توحيد كل أجزاء العرض ليصل إلى وحدة منسجمة. وهذا يفسر فشل بعض العروض المسرحية والأعمال الفنية لافتقادها إلى ريتم العرض.
يتكون ”العرض” المسرحي من أجزاء وعناصر متعددة ومختلفة تمكن من هندسة العرض المسرحي؛ فالنص الدرامي هو مجموعة أنسجة وأجزاء وعناصر تجعل منه حكاية تصاغ في شكل أحداث وشخصيات تعيش في المكان والزمان المرتضى لها من قبل الدراماتورج. وعليه؛ يجب العثور على روح و ريتم النص الدرامي من خلال السير الإيقاعي نحو الخط الدرامي، ومن أجزاء عنصر النص الدرامي بامتياز، أذكر -مثلا- الحبكة وهي التنظيم العام لأجزاء النص الدرامي ككائن حي متوحد قائم بذاته، فلا بد من إيجاد ريتم لجزء الحبكة والذي يسمى ”الحبكة الإيقاعية”، وهى ببساطة ترتيب الأجزاء التي يتكون منها النص الدرامي إلى جانب جزء الاستهلال وهو الوسيلة التي يقدم بها المؤلف الأحداث الدرامية آخذا بعين الاعتبار حركية وإيقاع تقديم الشخصيات في إطارها وجوها الدرامي، وكل معلومات المكان والزمان وعلاقة الشخصيات يبعضها البعض والخلفيات المختلفة، إلى جانب أجزاء أخرى متعددة ومتنوعة كلحظات الأحداث المتمثلة في الانطلاق والتهيئة والإيقاد والتوهج والإثارة والتأزم والصراع والتصادم والتتابع والاكتشاف والتنبؤ والتلميح والتعقيد والعرقلة والتطوير والتشويق والصعود والهبوط والحل، كل هذه الأجزاء وأخريات؛ تتطلب من المؤلف العثور على الإيقاع الجزئي لكل واحد منها، ويعطي مجموع إيقاعات الأجزاء. والحال كذلك بالنسبة للشخصيات التي تؤدى الأحداث الدرامية في النص المكتوب، وأبعادها المختلفة يجب أن يكون رسم الخطوط الرئيسية والثانوية النص الدرامي؛ مقرونا بالريتم أو الاقاع الخاص لكل جزء من أجزاء الشخصية الدرامية خاصة فيما يتعلق بالكيانات الفسيولوجية والسوسيولوجية والسيكولوجية، -العثور الدراماتورج على المغزى العام، والجانب العقلي والانفعالي والعاطفي للنص الدرامي، البحث عن الإيقاعات الفكرية والسيكولوجية والحدسية،
رسم اللغة إيقاعيا أي الحوار الذي يعتبر من أهم الأدوات الأساسية في النص الدرامي،
زيادة على النص الدرامي، يجب أن يتجلى الإيقاع في أجزاء عناصر إنتاج العرض المسرحي التمثيلية والسينوغرافية وبلورتها في ريتم عام للعرض المسرحي ككل.
المتلقي؛ تكمن أهمية ريتم العرض في تحديد طبيعة المتلقي للعرض المسرحي وجلاء مدى انسجامه مع العرض كله من خلال سياقه وخطه العام التناسق، وتفاعله مع نسيجه الأخير حيث الأحداث والشخصيات والأشياء والألوان، وذلك بفضل الإيقاع الخاص لكل عنصر من عناصر بناءه الدرامي والمسرحي.
الريتم أو الايقاع هي بمثابة ”ترمومتر” قياس نجاح العرض كنتاج كلي ونهائي لي عناصر بناء العرض المسرحي.
فلغة العرض المسرحي لها ركيزتها الموسيقية الخاصة أي إيقاعها، وموسيقى اللغة لها إيقاعها، والصراع الدرامي له إيقاعه الداخلي. ويكمن من هذا المنطبق، دور ريتم العرض في التوحيد بين عناصر العرض المسرحي، النص الدرامي والمادة والموضوع والأشياء والشكل والتعبير والتلقي والحركة والأداء
الريتم أو الايقاع هو عملية الكشف عن خط الفعل المتصل، ووحدة الشخصيات، وحالة الإحساس الجسماني لديها، والجو المسرحي التي تتحرك فيه، والإيقاع هو التوزيع الواعي للقوى الإبداعية ووسائل وألوان التعبير.
بث العروض المسرحية عبر وسيط البصري الافتراضي
المسرح مذ نشأته ارتبط بالعلاقة مع المتلقي مباشرة من حيث الفعل والكتابة والعرض وكيف يمكن ان يسمى مسرحا دون العيانية واللقاء الحر الآني وكيف يحي دون أنفاس الجمهور وردود أفعاله فالمسرح اتصال وتواصل فالمسرح ومنذ بداياته واكب متغيرات العصر وفق نظرياته وجمالياته التي قامت على عمق العلاقة مع الجمهور وتنوع هذه العلاقة الحية الفاعلة ما بين الإيهام وكسره والعلاقة دوما تأخذ شكل الاحتفال واللقاء وفق مستويات العرض الفكرية أزمة كورونا لها سلبيات و لها إيجابيات علي المسرح فمن السلبيات صبح المسرح في زمن التباعد والعزلة غريبا عن جمهوره ولا يمكن أن تحمله وسائل التواصل الافتراضية وان كان العرض المسرحي المعاصر يستعين بها بشكل أو بأخر لكنه أي المسرح هو اللعب والحياة بروحها المتدفقة الآن وهنا و من السلبيات أيضا إغلاق المسارح وأثرها على اقتصاد بعض الدول التي يعد المسرح أحد مصادرها القومية، وتوقف المهرجانات التي يتعايش منها بعض المنتفعين، وفقدان أهمية التفاعل بين الجمهور والعرض المسرحي، وفقدان بعض الوظائف. أما الإيجابيات، فهي أكثر بكثير من السلبيات!! فبسبب أزمة كورونا، لجأت أغلب الدول إلى عرض نفائس أعمالها على وسائل الإعلام واليوتيوب لتكون متاحة أمام الجمهور. كذلك لجأت مسارح إلى تفعيل نشاطاتها المسرحية عن بُعد، ومن إيجابيات كورونا التوجه نحو إقامة منتديات فكرية تجمع المفكرين والأكاديميين إلى التلاقي في منصة افتراضية تسمح لهم تبادل الأفكار وهموم الفن الرابع. فتح مسابقات للكتابة المسرحية للأطفال وكذا مسابقة العروض داخل المنزل تسمح لنا باكتشاف المواهب الشابة وكذا تزرع الذوق عندا الجمهور أري أنا زمن الكورونا أعطانا درس كيف أن نفكر كيف نستعمل الشبكة العنكبوتية لإيصال إبداعاتنا وكذا ولكن لا يمكن للعرض أن يكتسب شرعيته وحضوره دون تشكيل الرؤية المرسلة والرؤية المستقبلة بين الإرسال والاستقبال تتحقق العرضانية وتتجسد المسرحة وتكشف عن أهميتها بالوجود الفعلي الحقيقي للمتلقي.