القصة حياة أبدية وروح أخرى نعيشها

جدل - ورشة القصّة القصيرة بصلالة

2 927

خير الشّحري – سلطنة عُمان

كانت القراءة رحلتي الأولى التي بدأتها أنا ابنة الريف، وقد كننت في الوقت نفسه أدون ما نفعله يوميًا في مذكرة أو مفكرة صغيرة. كنت أكتب ما يدور في بالي من خواطر، وأحاول يوميًا أن أدونها. كانت البداية، كما أسلفت، في كتابة الخواطر والمذكرات اليومية في مواقع التواصل مثل الفيس بوك، والنشر في بعض المجلات الالكترونية المعنية بالشأن الأدبي. بعدها، بدأت بالقصة القصيرة فور انضمامي لورشة كتابة القصة القصيرة التي نظمتها مديرية التراث والثقافة في صلالة. إن الكتابة بشكل عام، والقصة القصيرة بشكل خاص، أسهمت في تشكيل فكري وثقافتي التي قادتني إلى كتابه أدب القصة القصيرة. من وجهة نظري، الأمر ليس في غاية الصعوبة. المجتمع العماني، والريفي بشكل خاص، مجتمع حالم خيالي، يمتلك قدرة على استيعاب واحتواء كل فكر، ويشعرك بأن عليه أن يهتم بثقافته محليًا، لأنه يدرك أهميتها وخصوصيتها.

القراءة حولت مساري كي أقتحم مجال الأدب. بدأت بالتعرف على أدوات وعوالم القص والرواية والحرص على متابعه كل إنتاج أدبي عبر الكتب والمجلات، وكل جديد في هذا العالم أو بحر الأدب الواسع. بداية، كان الأمر بالنسبة لي هواية قبل كل شيء، وما زلت أعتبر نفسي هاوية حتى هذه اللحظة؛ فمجال الأدب أصفه بأنه مجال فياض خيالي حالم بحت، وفي الوقت ذاته، عملي وممتع؛ وهنا تكمن الفكرة في التوافق بين الجدية في استخراج الأدوات الأدبية، والحفاظ على الطابع الأدبي الشاعري والوصفي. القصة تلعب دورًا كبيرًا في قدرتها على محاكاة الواقع، مع تفهم متطلبات الشعوب حسب البيئة التي تنشأ فيها، متأثرا بواقع حياة الناس. أما الهدف من كتابة القصة فربما هو أن أتحدى نفسي لكي أختلف في أدبي كليًا، وأن أستوحي كتاباتي من البيئة المحيطة بي والعمانية بشكل عام والتي تتمتع بخصوصية عن غيرها في دول المنطقة.

لكل منا طابعه وأفكاره الخاصة التي ينشأ فيها متأثرًا بواقع حياة الناس من حوله، ويكون تفكيره قبل كل شيء في بيئته المحلية وفق قدرة أدبه على محاكاة الواقع حوله. لا يمكن أن يتطور الأدب إلا إذا وجد مساحة شاسعة وكافية من المعرفة لتساعده على الاستمرار في أرضه. من خلال تجربة الورشة تقدمت في الكتابة على نطاق أوسع من قبل، وحفزتني لتقديم الأفضل، واكتساب الثقة في النفس والتشجيع والدعم في هذا المجال. استفدت أكثر من التجربة الأولى مستسلمة لذلك الشغف الكتابي الذي أبى أن يتركني دون ذاكرة جميلة لا يمحوها الزمن من بالي. يقول البعض إن القصة القصيرة تجعلك مثل شجرة الأبدية ساكنا في ضمير الأبد. وأنا أقول إن القصة حياة أبدية وروح أخرى نعيشها. أنا أصفها بأنها كالربيع الدائم يملأ الجو، وكالنسيم البارد يلطف الأرجاء؛ وأنا أحلم بأدب بالغ الفخامة والشاعرية يعطيك أجواء كتابيه ملهمة، وطاقة إيجابية تحث الجميع على التمييز والحماس الشديد لتقديم الأفضل دائمًا.

ما يشغلني وما أصبو إليه هو إنجاز كافة ما لديّ من قصص، وتكملة جميع أفكاري، والاستعداد لإصدار مجموعتي القصصية الثانية. الحمد لله، فأنا أجد نفسي في الكتابة، ولطالما وجدت فيها السلوان عما يلم بي من هموم، وأيضا أرى فيها تحقيق التوازن النفسي والدفء المفقود. ليست هناك أي صعوبات تذكر الآن، وربما في الماضي لم أجد التشجيع الكافي على الكتابة، وفي نفس الوقت، لم أجد المعارضة. كما أن ذاك الزمن لم تعدد فيه، بعد، الوسائط للنشر على نطاق أوسع، ومواجهتها بتقديم الأفضل وإظهار الموهبة الحقيقية باستخدام الطرق والأدوات الصحيحة للقصة، والجرأة في تقديم وإظهار موهبتك وإتاحة الفرصة لها أكثر. الكتابة بحد ذاتها حنين وهي الوجه المحزن أو المفرح لكل ما يعترينا من مشاعر وأحاسيس، والغربة هي عبث بذاكرتنا كيفما تشاء، فتكون بابًا للحنين والتوتر والقلق، مما يمنح فرصة التفكير، وهنا تكمن الحالة الإبداعية للأدب باعتباره حنينا جارفا.

قد يعجبك ايضا
2 تعليقات
  1. إبراهيم عباس يقول

    أحسنت أستاذتنا 🌹
    جميلة رؤيتك للقصة على أنها ذلك الطيف اللطيف.
    استفدت من تجربتك.. وأتمنى لك التوفيق في مجموعتك الثانية.
    كل التحية.

  2. خير الشحري يقول

    شكرا لك أ. إبراهيم عباس مرورك جميل 😘🌹

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.