كافي ريش…ما لم يقله الروائي

0 331

بن عبد الله علجية – الجزائر

 

عندما تواصلت مع الروائي وسألته: هل حقا رواية “كافي ريش” تدين بقايا “الحركى” ولا تدين الأقدام السوداء؟

قال بالحرف:

“الرواية عمل تخييلي، لا تدين أحدا لكنها تعطي مساحة لكل واحد”.

كتبت عن كافي ريش العديد من المقالات. وهي تتحدث عن العوالم المختلفة التي خاض فيها الروائي التنوع الثقافي واللساني في الجزائر أثناء الفترة الكولونيالية، وطرحت العديد من الاسئلة عن الهوية و(الاندماج) وعن جدوى المقاومة؟ ولكن هل هناك موضوع نسيه هؤلاء النقاد، أو تغاضوا عن الإشارة إليه أو مساءلة الروائي عن أبعاده؟

يطرح هذا السؤال بعض الخوف عن حيثيات هذه الرواية التي تمزج بين توظيف الواقعية والتخييل في العمل السردي، وأحيانا توظيف الحقائق في قالب غرائبي بين صفحات العمل التي تجاوزت  250 صفحة. وتجدر الإشارة إلى أن الرواية ترشحت للعديد من الجوائز (آسيا جبار/ محمد ديب/ غسان كنفاني)، وكان من أسباب استبعادها -على حد جواب بعض الناشرين منهم بالخصوص دار ضمة ودار وهج الجزائريتين- خوضها في المحظور السياسي.

لكن الروائي أكد غير مرة (واحدة منها عبر أثير إذاعة سلطنة عمان) بأنه لم يتعرض في مساره الإبداعي لأي مضايقات سواء مباشرة أو غير مباشرة، وبأن الجزائر تمثل استثناء على حد قوله في البلدان العربية من حيث أنها لا تضيق على الإبداع الثقافي أو الفني بتنوعاته واختلافاته.

من جهة أخرى، يبدو أن القليل من النقاد من تناول عرضا إشكالية الخيانة – في رواية كافي ريش- من خلال استحضار مقتطفات من النص منهم الباحث الأردني موسى أبو رياش، حينما كتب صمن مقال مطول: (ومكث جون طاسو في الجزائر، وغير اسمه إلى وفيق بندين وكان يعطي الأوامر لجنود البلد لإعدام أبناء البلد سنة 1994.)

ومن هنا يُطرح سؤالي إشكالي مرتبط بالواقع: من هو وفيق بن دين؟ هذا سؤال فني ولكنه واقعي كذلك، فالجزائريون يصفون من كان يساند الكولون بأصحاب فرنسا، والبعض الآخر يسمونهم (الحركى).

يشير السياق الروائي أن بن دين هذا كان طيارا وأحد أعضاء المخابرات، وقام على غرار الحركى بدس اسفين بين الضباط الوطنيين والشعب. وتتماهى وظيفة شخصية بن دين مع الصراع السياسي الذي نشأ في الجزائر منذ أحداث العنف مع مطلع التسعينيات (خصوصا أن الرواية عرجت على العشرية الدموية في الجزائر، حينما وظف الروائي تقنية الفلاش بيك من 1962و2017)، وهو يحيل على ما يبدو إلى إحدى أكثر الشخصيات العسكرية التي أثارت النقاش، والمقصود هنا بحسب التكوين الصوتي للاسم (محمد مدين المعروف إعلاميا بتوفيق).

فهل يقصد الروائي أن بعضا ممن مسكوا زمام الأمور في الجزائر كانت لهم يد في التنكيل بأبناء الجزائر، الذين كان أبلغهم في مواجهة مباشرة مع هؤلاء ومن خلفهم الكولون؟

هذه كلها أسئلة قد تدفع القارئ المتفحص إلى طرحها، خصوصا ان الروائي يمثل طبقة من الكتاب الجزائريين المكرّسين والذين يكتبون بوعي وبتحكم في التقنية الروائية، التي تمثل أدوات تعبيرا وكذلك خطابين لنقلها إلى القارئ بصورة مضمرة، وهذا الحكم قام أحد كبار النقاد الجزائريين بكتابته (المقصود هنا هو الحكم المعرفي والمتعالي لنص كافي ريش) وهذا الناقد هو لمين بحري حين قال في طيات مقال معرفي مطول ومليء بالأبعاد الفنية والسيميائية للرواية:

رواية «كافي ريش» لمحمد فتيلينه، نص من النمط التاريخي الخاص بذاكرة المدن، لكنها ليست ذاكرة الأنا الساردة، بل ذاكرة الآخر، وبالتحديد ذاكرة الأقدام السوداء التي هي أيضاً من أبناء مدينه وهران، وحكاية جرحها تنطلق من كون هذه المدينة هي أم لهم، تربوا بين أحيائها، وعاشروا أناسها، ولم يتصوروا يومًا أنهم سينفصلون عن صدرها، لكنهم انفصلوا في منعرج تاريخي دام، كرسته فرنسا الاستعمار، ودفع ثمنه كل من ولد على هذه الأرض المستعمرة، وكان لا بد للحظة اجتثاث الورم الاستيطاني، من أن تترك جرحًا غائرًا في ذاكرة مدينة وهران، جرج كان أعمق فصل فيه هو ذلك المسمى «مقهى كافي ريش» واجهة بولفار سوغان. الذي كان شاهدًا على أعنف قصة اجتثاث مميت لورم لما تشفى ذاكرته بعد، لدى أبناء المدينة من جزائريين وأقدام سوداء.

أما المشهد الثاني فهي صورة مزلزلة لهاجس اللاتسامح بين الفرنسيين والجزائريين، ممثلة في جنون الارتباك الكابوسي وإحساس اللاأمان الذي عاشه أهالي مدينة وهران بأسرها بما فيهم الأقدام السوداء في أسبوعيها الأخيرين قبل خروجهم المأساوي من وهران، وصورة اللاأمان التي سكنت المنظمة السرية الإرهابية (oas)، التي راحت تدافع عن الفرنسيين المروعين من الانتقام الجزائري، الذي قابلته هذه المنظمة الإرهابية بانتقام مضاد، بروح الثأر، والتطرف الهستيري والقتل العشوائي

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.