لعبة، هي المترادف الانكليزي الذي يعود بنا إلى الفضاء الأول لكلمة “مسرحية”، يأخذنا إلى الألعاب الرياضية الجماعية لــنتخيل أننا في اليونان جالسون على مصاطب نراقب الألعاب الأولمبية ونهتف مع الجماهير هناك ونصرخ تفاعلا مع اللعب حتى يحل العام 364 قبل الميلاد وتصاب روما بالطاعون وهنا تهب رياح موسمية، لعلها “رياح التغيـير”. في قراءتنا لتاريخ روما نستخلص أن فترة انتشار الوباء صادفت إضافة جانب جديد إلى الخُطب العقائدية، فقلدوا حركات الراقصين ليصبح الأداء واللهو جزءً من طقـوس تتطور لاحقا سواء عند الاغريق أو الرومان لتأخذ سياقا أكثر تعقيدا فيـسمى العرض باللاتينية (theatre) أي ما يُرى بالعين.
ولأن كلمة “مسرح” ما زالت تبحث عن جــذر لها في القواميس العربية، وحتى لا نـسرح بعيداً عن الواقع، فسأبقى عند حدود المفردة اللاتينية التي تحقق شرط النظر أو الرؤية، سواء بالنسبة إلى شكل العرض أو مكانه، لنتساءل كيف نتفاعل اليوم ونحن في زمن الكورونا والتحديات تتجدد يوما بعد يوم؟ في روما ربما اهتزت عقيدة الناس في زمن الوباء فظهرت الحاجة لإقناع الجمهور بالعرض وفق آلية جديدة، فهل نتأسى بالمسرح الروماني واليوناني وتطور الاثنين، أم نبقى على أدوات كاد الصدأ يغلفها فتمنع رؤية العرض؟
جائحة كورنا فرضت الحظر في أكثر من دولة والتباعد الاجتماعي صار شرطا للتواجد مع الآخرين، فكيف نجمع ممثلين اثنين أو أكثر على خشبة المسرح؟ وكيف نحقق المشاهدة في غياب الجمهور؟ لنذكر أن العلبة الايطالية هي نموذج أولي لتغير اختزل المسرح الروماني بالحلبة والكواليس والمصاطب وحتى تصنيف الجمهور، فكيف يمكننا أن نقوم اليوم بفعل يوازي ذلك التغيـيـر تأثيرا؟ لنذكر أيضا بأن الجوقة كانت تلعب دورا هاما في عروض تزامن تراجعها مع ظهور مسرح الممثل الواحد أو الــ one man show .
في زمن ما اضطر المؤدي لمجاراة فضاء المسرح الروماني والارتقاء بصوته مجردا ليعلو ويصل إلى الجمهور في المصاطب العليا إلى أن تقدم الوقت ومعه التقنيات الصوتية التي غيرت علاقة الممثل بالأداء، وفي المسرح المصري والكويتي اختفت من الخشبة “الكمبوشة” ومعها ألغي دور الملقن. أثبت المسرح عبر تاريخه الطويل أنه فن متـجدد كما الحياة، وجاءت التصنيفات النقدية لتفصل بين مراحل تطوره، لهذا فإن أردنا البقاء عند الآليات القديمة فيكفي أن نختار عرضا كلاسيكيا ونقف عنده، أما إن كان طموحنا مجاراة الوقت وقبول تحديات العصر فإننا مطالبون بالتحديث وإن تعاملنا مع نص كلاسيكي.
العرض ليس مجرد أزياء وإضاءة ومنصة، هو بالأساس فكرة يعتمد توصيلها إلى آلية فاعلة، والمسرح صار يصنف في المكتبات الأوربية ضمن “الفنون البصرية” وهذه، تلقائيا، تفترض وجود الجمهور أو الرائي لكنها لا تقيد الفنان في كيفية العرض. أن يجمع المبدع جمهورا حول عرض يغيب فيه الممثل، فهذا يعكس قبوله، والمُتلقي معه، تحدي الوباء وواقع فرضه، وأن التجريب وسيلته لتطويع التقنيات: صوتية ومرئية، تُـفعل مفهوم “اللـعبة” وتخاطب العصر وجمهوره.