الدكتور سامي الجمعان – السعودية
إذا ما نظرنا الى المسرح بوصفه صورة مرئية يفترض بها أن تكون منسجمة العناصر، ولا يمكن أن يحيل الانسجام إلى أن عناصرها متسقة ومتوائمة وقادرة على تبليغ رسالتها بشكل وافي، هذا التكامل الذي نتوخاه ونصبوا الى بلوغه ليس أمرا اختياريا بل هو شرط اساسي من شروط العرض المسرحي، لذلك نقول عن عرض بانه عرض مشبع فاتن ممتع ونقول عن اخر بأنه جميل لكنه يحتاج الى زيادة تجويد وما النقص الذي نشير اليه سوى نقص في تكاملية العناصر وبالتالي نقصان في انسجامها.
التفاعل الداخلي في المسرح يكون بقدرة قائد العمل في صهر العناصر المسرحية في بوتقة مدرسة واحدة او تصور واحد او نقل رؤية واحدة، أما الخلط بين الرؤى والتوجهات في عرض مسرحي واحد نفي لوجود التكامل، لذا نتحدث هنا عن الخبرة والممارسة وأهمية الثقافة المسرحية التي يجب على المخرج خاصة التحلي بها، لأنها ضمان فعلي لوجود هذا التفاعل الفعلي بين العناصر وفق تصور موحد، اما التفاعل الخارجي فما هو الا تحقق ونتيجة مرتقبة للتفاعل الاول، بمعنى أن التفاعل الخارجي للعرض المسرحي يحققه التفاعل الداخلي بين عناصره، فان سقط تفاعل الداخل سقط تفاعل الخارج، ألا نتحدث أحيانا عن عرض ممل؟ وعن عرض سخيف؟ وعن عرض ناقص؟ بلى، وسبب ذلك عدم قدرة هذا العرض أو ذاك على اقناعي كمشاهد بأنني أشاهد عرضا مسرحيا منسجما.
وحتى لا نظلم التجريب، ولا نقسو عليه كمصطلح، التجريب لا تحده فترة زمنية محددة بل هو قائم ما قام المسرح منذ ثيسبس حين أدخل الممثل في اللعبة الفرجوية حتى يومنا هنا، بمعنى أن كل عرض مسرحي فيه قدر من التجريب، أي فيه نسبة تجريب، ولعبة التجريب قابلة لأن تطال كل عناصر العرض المسرحي وكل مساحاته، وهذا مكمن جمالها، وشخصيا أقف مع التجريب المتوازن القادر على خلق عرض مسرحي منسجم العناصر وفيه تبسيط في التجريب، بمعنى أنني أحب العروض الذي تمركز تجريبها حول عناصر ما وتشتغل عليه، وأكره العروض الذي تخلط الحابل بالنابل وتريد أن تجرب على كل صغيرة وكبيرة، لكنني مع الطرح التجريبي عامة، كونه يمنح اللعب المسرحي حياة، ويمده بنبض فرجوي متجدد.
وضمن اتجاهات التجريب تجارب مسرحية غيبت جسد الممثل تمامًا من على الخشبة، كتجربة استخدام الهولوجراما في العروض المسرحية، بصراحة أنا أرى المسرح ممثل وجسد، وخلاف ذلك أراه فنون فرجويه أخرى تكنولوجية أو رقمية سمها ما شئت، لكن المسرح هو ذلك الجسد الذي ينبض بالحياة أمامي كمشاهد، هو ذلك العرق اللامع الذي يشعرني بأن ثمة روحاً تعاني، ذلك الصوت البشري الحقيقي المبحوح، انها حالة التمسرح الفعلية وماعدا ذلك فلا.
وأما النص الذي حاولت بعض التجارب المسرحية إزاحته والاستغناء عنه، ففي التوجه المسرحي الحديث يمكنه أن يأخذ شكلا جديدا، من أبرزها النص الفكرة أي فكرة واضحة المعالم لها خطوطها العريضة وهذا التوجه له شرط أساسي هو وجود فريق عمل يشتغل بصورة ورشية لها قائد، وهذا القائد يستدعي وجود دراماتورج، بمعنى أن مثل هذا الشكل لا يتحقق إلا بوجود الدراماتورج حتى وان غاب المؤلف الكاتب، الشكل الثاني النص المعد أي النص المأخوذ عن نص آخر ومعد بصورة مختزلة أو اشارية وهذا أيضا قابل للعب على فكرة الورشة، أعني بهذا كله قدرة المسرح في أشكاله الجديدة على الاستعاضة عن النص بأشكال جديدة لا تلغي وجود فكرة أساسية ودراماتورج يقود الرؤية ويوجهها بالتفاهم مع المخرج.
في الآونة الأخيرة شاعت فكرة بث العروض المسرحية عبر وسيط بصري، التلفزيون، أو اليوتيوب، أو حتى وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك. ودار سؤال لدى المسرحيين حول هل يخل هذا البث من مفهوم المسرح؟، رأيي أن هذا يعتمد على نوعية البث فاذا كان من باب التوثيق وحفظ العرض للاطلاع عليه لاحقا فهذا في نظري جيد أما أن يكون اليوتيوب والانترنت والمنصات الأخرى بديلا عن العرض المسرحي الحي فلست معه البتة، لأنه ينفي أحد شروط اللعبة المسرحية القائمة على الفرجة وهو الجمهور، وبالتالي فلي تحفظ على هذا التوجه في حال استمراره بعد جائحة كورونا، لأن الظرف فرض علينا هذا النوع من المشاهدة لكنه لا يليق بالاستمرار بفن المسرح.
ولست مع تجارب أطلق عليها عروض المسرح الافتراضي، أو المسرح الرقمي. حيث تقدم عروض مسرحية مباشرة لجمهور خلف شاشات الكمبيوترات أو الهواتف النقالة، ودون حضور واقعي، قطعيا، ولا أفضلها منذ أن بدأت حتى قبل جائحة كورونا، تخيل أنني لا أستمتع بمشاهدة العرض المسرحي المسجل وأعاني معاناة كبيرة في تلقيه عبر هذه الوسائط، وأرى أن مثل هذه العروض اكذوبة تلصق بفن عريق جماله في وجود عناصر اللعبة في مكان واحد. أنا مع الاستفادة في هذه الوسائط في فكرة التدريبات في مراحلها الأولى للعروض اختصارا للوقت ومع عقد ورش عمل أوليه ايضا.