جيــــــلٌ بلا وصاية

جدل - الأب الإبداعي

0 491

د. سعداء الدعاس – الكويت

حين اطلعت على عنوان ملف (سماورد) لهذا العدد (المبدع الشاب وسلطة الأب الإبداعي)، تساءلت عن ماهية تلك السلطة، ومدى ضرورتها في تشكيل وعي المبدع الشاب، في ظل سلطة النص، الكتاب، العرض ….إلخ .

أدرك أن هناك تجارب سابقة، قادرة على التأثير في منجز الشباب، تأطير تجاربهم، وإمدادهم بالخبرة والنصيحة؛ لكن هل كل محيط فني/أدبي ما، تتوافر فيه تلك التجارب (المعتــّقة) التي بإمكانها أن تـُثري المنجز الشبابي؟

في الكويت، يوجد لدينا العديد من الأسماء المؤثرة، بنتاجها، خبراتها، ومعطياتها الإنسانية الأخرى؛ لكن معظمها ينتمي للوسط الثقافي الأدبي (روائي، قاص، شاعر..إلخ)، مما يتيح للجيل (الأدبي) الشاب فرص عديدة للاستفادة من تلك التجارب التي مازالت تعطي من جهدها ووقتها الكثير. وهذا ما يبرر لنا ظهور العديد من الأسماء الشابة المميزة في تلك المجالات. بعضهم أفرزته المؤسسة الثقافية الرسمية مثل رابطة الأدباء عبر (منتدى المبدعين) الذي يحتضن المواهب الجديدة؛ وبعضهم الآخر أفرزته مؤسسات ثقافية أخرى غير رسمية مثل (ملتقى الثلاثاء) الذي يقوده الروائي الكبير اسماعيل فهد اسماعيل، وهو من أبرز الأسماء التي تبنت العديد من المواهب الشابة وطورتها بصورة شخصية أو عبر اشتباكها مع أنشطة الملتقى.

على الضفة الأخرى، في الوسط المسرحي الكويتي، تتقلص (سلطة الأب الإبداعي)، وتتلاشى أحيانا كثيرة. ذلك لأسباب عديدة تتيح لنا تقسيم شباب المسرح إلى مجموعتين:

– المجموعة الأولى تمتاز بالعنجهية، طوقتها خشبة المسرح بهالتها، فتصورت أن النجومية التي تحققت في ذلك الفضاء تتيح لها فرصة الاعتماد على قدراتها فقط، دون اللجوء لرأي آخر، قد ينير لها بعض الزوايا المظلمة، فيكتفي الكثير من الشاب بمعطياتهم التي لم تتشكل بعد. وفي ظل البهرجة الإعلامية المرافقة لجميع المنجزات الشبابية، حتى المتواضعة منها، يصدق هؤلاء عبقريتهم، ويؤمنون بالألقاب المجانية التي تطلق عليهم!.

’’(الأب المبدع) يتحمل جزءاً من تبعات غيابه، خاصة وأن الوسط المسرحي الكويتي لا يحظى بالكثير من الآباء المبدعين’’

– المجموعة الثانية لا يمكنها أن تخضع لـ (سلطة الأب الإبداعي)، لأن لها نهجًا مسرحيًا مغايراً يمنحها خصوصية قد لا يتفهمها الآخر، مهما عظم تاريخه، خاصة وأن معظم الأسماء التي لها باع طويل في المسرح، غير مواكبة للتطور الحديث الذي طرأ على تقنيات الخشبة من جانب، وجسد الممثل من جانب آخر. فباتت تقليديتها عنصرًا منفرا في كثير من الأحيان.

مما سبق نلاحظ أن (الأب المبدع) يتحمل جزءاً من تبعات غيابه، خاصة وأن الوسط المسرحي الكويتي لا يحظى بالكثير من الآباء المبدعين. فعلى مستوى التمثيل، تنصل معظم الكبار للمسرح، بعد أن حققت لهم شاشة التلفزيون طموحاتهم التي لا تقوى الخشبة على تحقيقها. وعلى مستوى الإخراج، غابت العديد من الأسماء المؤثرة عن الساحة ، من أمثال المخرج فؤاد الشطي الذي اختار الابتعاد لسبب ما!

في ظل ذلك الغياب، لم يعد أمام الشاب المسرحي إلا أن ينتمي لإحدى المجموعتين – سالفتي الذكر- أو ينتمي لمجموعة ثالثة قررت أن تقتدي ببعض الأسماء المسرحية التي حققت نجاحا تجاريًا، وجماهيريًا، بعيدا عن قيمة المادة المقدمة التي عادة ما تخضع لـ (كليشيهات) مكررة، وكوميديا لفظية ممجوجة، ضمن نص فقير ورؤية إخراجية أفقر، لا تتجاوز الخطابات المباشرة التي تدغدغ غرائز الجمهور.

فئة قليلة جدا من الشباب، وجدوا ضالتهم في أحد الكتاب / المخرجين / الممثلين / النقاد، الذين أخذوا بأيديهم، ووجهوهم لقراءة كتاب جديد، أو التعرف على تقنية مسرحية حديثة، إيمانا منهم أن الوسيلة الأولى للإبداع تكمن في إثراء المخزون المعرفي قبل كل شيء.

فكرة (المرجعية) التي يتكئ عليها شباب المسرح، تساهم بشكل كبير في تحديد المسار الفني للمبدع، وقد شكلت مشاريع تخرج طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، الشرارة الأولى التي دفعتني للكتابة عن هذا الأمر قبل أكثر من سنتين، عبر قراءة نشرت في مجلة (الفنون) حينها. تساءلت فيها عن السبب الذي يجعل من شباب رابطة الأدباء – على سبيل المثال– أكثر وعيًا، وأعمق فكرًا من شباب المسرح، رغم أنهم ينتمون لجيل واحد، و تتلمذوا في نفس المدارس، وجالوا الشوارع ذاتها! عندها توقفت عند المرجع الذي يتخذه كل من الطرفين. المسرحي الشاب يقتدي ويتأثر بـ (الأفراد) رغم قلة وعي بعضهم. في حين أن الشاعر / الروائي / القاص يتخذ من (الكِتاب) مرجعه الأساسي، ولعبته المفضلة بعوالمها اللامحدودة، وفضاءاتها الممتعة.

*        *         *

بوح أخير ..

منذ فترة طويلة، كتبت مقالا بعنوان (الممثلة التي تخلصت من شبح غروتوفسكي) تناولت فيه تجربة الممثلة السنغافورية (سَن سَن) مع محترف (غروتوفسكي) في بداياتها، ومن ثم تجربتها مع مختبر (لاليش) الذي يقوده المخرج الكردي / العراقي / النمساوي (شامال).

أدهشتني تلك السنغافورية ذات الجسد الضئيل، بقدرتها على الفكاك من سطوة المختبر (الغروتوفسكي) الذي أسسه مخرج رائد بنهجه وأدواته. بعد أن استفادت من معطياته، واندماجها بعد ذلك في تجربتها الجديدة رفقة فرقة مغايرة، تلعب على وتر الصوت وطبقاته فقط .

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.