أفيقي أيا نفسُ من سكرةِ الذكرياتِ
خالد دَوْشي- السعودية
فما بين صمتِ المرايا وهذي الملامحِ ترثي سوى النائحاتِ نذيرًا تغشَّى
فلا سيدُ الريحِ يطوي الفلاةَ إلى الوطنِ المستحيلِ ،
ولا في المرابعِ
يشربُ من خمرةِ الدهرِ أعشى
وما اللهوُ يومًا سوى بَجْدةٍ للفتى
وفؤوسٍ من الدهرِ تأكلُ من جذعِهِ بالمهالكِ تغشى
تمرُّ على حافَةِ الشمسِ تطفقُ من ورقِ الرملِ والجرحُ أكبرُ ..
كيف تغطِّي عراءَكَ والحزنُ مثلُ دُخَانِ الليالي كريمُ الحرائقِ في كلِّ جذعٍ تفشَّى ؟
أزِلْ ما عليكَ !
فشَاشُ القصيدةِ لا يكتمُ الجرحَ يومًا
وهل يمنحُ الشعرُ غيرَ العراءِ ؟
أراكَ عصِيًّا على جمَراتِ الظما يتمشَّى
أمِنْ قسوةِ الدهرِ يقبسُ قهوتَهُ الشنفرى ؟
يجوسُ خلالَ الردى واثبًا ..
واهبًا أمَّ عامرَ من روحِهِ ما تراجعَ أو قهقرَا
تصعلكتَ من فرطِ ما فيكَ من مكرماتٍ ،
تتيهُ وحيدَ معانيكَ تحملُ فوقَ مدى كتفيكَ الذرى
في المهالكِ تضحكُ في الموتِ تسخرُ من قاتليكَ وتلهو
تخلِّفُ خلفكَ للطارقينَ طريقَ المكارمِ والكبرياءَ دليلاً لمن أدمنَ الشمسَ مجدًا ومن خمرِةِ المجدِ ما أسكرا !
ودونكَ في البيدِ بيدٌ وطيُّ فلاةٍ وراءَ فلاةٍ
فما اتسعتْ أنْ تلملمَ شمسَ شظاياكَ أرصٌٌ ،
وأنتَ الحقيقةُ في سرِّها ،
كم درجتَ كظلِ سراةِ تهامةَ همًّا بأنْ تكبرا
ترجَّلتَ عن صهوةِ الريحِ صوبَ معانيكَ تعلو إليكَ شموسُكَ يا جبلًا من جنونٍ
سيعلمُ جمعٌ من الناسِ بعدَكَ أنَّ المكارمَ لنْ تُقبَرَا
وهل يقبرُ اليعربيَّ سوى العشقِ !
يا قاتَلَ اللهُ وصْلَ العيونِ الكحيلةِ خلفَ النقابِ أرى الماء يجري
فأهلَكُ في صبَوَاتِ الهوى ظامئًا
َوعيونُ المهاةِ تصُبُّ وأسقُطُ من أضلعي مقفرا !
فيا نفسُ ماذا تبقَّى ؟
لأعبرَ ليلَ الفراغِ وأجتازُ بوَّابةَ الوقتِ أخرجُ من ظلُماتِ الرثاءِ ،
فمازلتُ أقبعُ بين الأزقةِ يتبعُني ظلُّ صوتي وطوقُ الليالي يحاصرُني بالرحيلِ الأخيرِ :
تكسِّرُ دربَ الليالي لتنسى ؟
وتنسى بأنَّكَ غير مآسيكَ لن تبصرا ؟
تصعلكتَ من شدةِ الهمِّ حتى خرجتَ عصِيًّا على كلِّ شيئٍ
أتخرجُ من طينِكَ الآدميِّ تنفِّضُ عن عاتقَيْكَ الخطايا ؟
وفيكَ من الحزنِ ما لا نراه وما لا يُرى
تناثرتَ في الريحِ حتى اجتمعتَ على بَجْدتينِ وقدَ كشفَ الوجدُ عن ساقِهِ وابتدا العمرُ يجري
ولم يحمدِ القومُ ظِلَّ السُّرى
كحلمِ الرمالِ سقطتَ هشيمًا وبعدُ مراياكَ واقفةٌ مثل جرحِكَ بينَ حناياكَ يبكي احتراقًا ،
ورمحُ المقاديرِ ما انفكَّ يوما ولا كُسِّرا
تولَّتكَ في رحلةِ العمرِ أمجادُكَ النازفاتُ وقد أوَّلتكَ التضاريسُ دهرًا وأنتَ صريعُ معانيكَ تنحتكُ الريحُ يا جبلًا سائرًا في ليالي المهالكِ تطلبُ ثأركَ من قيصرَا
ألقلبِكَ ثأرٌ سواكَ ليثأرَ منكَ وقد قتلتكَ عيونُ الظباءِ
وطولُ الوقوفِ على الذكرياتِ
وطولُ الوفاءِ
تشيَِّعُ أصداءَ مُنْ صلبوكَ على الدمعِ يوماً
غفرتَ لمن أوجعوكَ ؟
وهذا الحنينُ عظيمٌ ..
وهذا الشجا قاتلٌ
والمقاديرُ لن تغفرا
تحسستَ صورةَ وجهِكَ في ماءِ دمعِكَ
لن يسلمَ الحُرُّ من ثأرِهِ !
سوفَ تبقى تحاصرُكَ البيدُ في كلِّ شيءٍ
وتنشدُ فيكَ الرياحُ رمادَ القِرى
وما عابَ يومًا بناءَ الفتى في الرجالِ سوى جيبِهِ في الزمانِ ،
فمن قال تغفو لحُرٍّ جفونٌ وقد أدمنتْ نارُهُ طارقاتِ المنازلِ وقتَ الكرى ؟
فلنْ تستريحَ إلى أنْ يعودَ الحصانُ على وجههِ ضحكةُ الشمسِ تربو ،
وفوقَ كثيبِ المفازةِ ما يمنحُ الروحَ عاتقَها الأحمرَا
فيا غارقًا في أسى نفسِهِ
أتعبتكَ الليالي
أراكَ على حافَةِ الدهرِ تنقفُ حنظلةَ القلبِ ،
أين الذين فرشتَ لهم ماطراتِ هواكَ رؤى جنتين ؟
تركوكَ وحيدًا تعاني الظما مُقفِرا !
تقمَّصَكَ الوقتُ دمعاً
وأنتَ تخضِّبُ خدَّ الديارِ
وتهربُ منكَ وقد أثقلتكَ مرايا الحنينِ
نحَيْتَ بريئًا من الماءِ تهربُ نحوَ العراءِ توكَّأتَ شكًّا جريحًا أسيفَ اليقينِ ،
تهيمُ مع البيدِ بِيدًا
ويهربُ من باكياتِ خُطاكَ الثرى
فمن أينَ تأتي بيقطينِ نسيانِكَ المستحيلِ لتنسى ؟
وثأرُكَ بعدُ حديثُ القوافلِ
ما جفَّ نخلُ جراحِكَ والدَّمُ فوقَ جدارِ الزمانِ يخطُّ شراويكَ في الخارجينَ من الجنتينِ وينقلُ عنكَ حَكايا المساءِ
فهلْ أولتكَ المحطاتُ والبردُ ينهشُ جلدَ المقاعدِ في خلوةِ الراحلينْ
وهل في الرحيلِ سواكَ يغني على شهقةٍ لقطارٍ يتيمٍ يحنُّ إلى عتباتِ السنينْ ؟
تخبئُ قلبَكَ في خلَجَاتِ الحقائبِ أتعبتَ روحَكَ تسألُ في عتباتِ الديارِ
وفي دمعِ كفيكَ صورةُ بابِكَ والأمسُ ينزفُ من راحتيكَ
وأنتُ أسيرُ شجاكَ قتيلُ الحنينْ
وراء ردائكَ تنتفضُ الذكرياتُ كأنَّكَ صُغُتَ من الذكرياتِ
أتعلمُ أنكَ هذا النقيضُ الجميلُ ؟ ،
ولولا نقيضُكَ ما كنتَ شيئًا ؟
فعشْ في احتراقِكَ كيلا تموتَ ذليلاً
ستُبعَثُ بينَ رمادِكَ تنشدُ خلفَ شبابيكِ حزنِكَ ليلى
ودربُ العراقِ طويلُ
كأنَّكَ وجهُ العراقِ يغني
ويكبرُ فيهِ الغناءُ وتنمو المواويلُ حينَ يفارقُ ماءَ العراقِ النخيلُ
فيا حاملَ البيدِ بينَ حناياهُ لو يعلمونَ بأنَّ المجانينَ أصدقُ من يعشقونَ
فلا تنشدِ القومَ في هاجعاتِ المنازلِ فالقومُ صرعى ..
ولا يفقهونَ كلامَ الديارِ
نديماكَ صوتُكَ وحدكَ والقافياتُ
تزورُ الديارَ
لخولةَ أطلالُها الغافياتُ
وأنتَ لكَ الدمعُ والذكرياتُ
فمن ينقذُ النايَ من حزنِهِ الأبديِّ ؟
تراوغُ في طينِكَ الآدميِّ تربِّيكَ أحلامُكَ النائياتُ
سفينُ ابنُ يامِنَ بعدُ يفتشُ عن جنةِ الآيبين وبحَّارةُ الروحِ عطشى
وفي القلبِ أعشى يهيمُ إلى حُلْمِهِ في الجهاتِ ويغشى وزوَّادتاهُ خوابي الزمانِ وخمرُ القصيدهْ
مراسيكَ بعدُ بعيده
وخلفَ بحارِ الغياهيبِ تولدُ حزنًا
وتكبرُ بين القوافي ظلالُكَ في كلِّ أرضٍ وكلِّ جهاتٍ شريده
وما لكَ من وطنٍ
غيرُ ذاكرةٍ من حنينٍ توجَّسَ بين حناياكَ يبكي
وبحرُ قصيده ..
ولازلتُ أسألُ عني وفيكَ صدايَ كسيرُ المدامعِ يغدو يروحُ
وبيني وبينكَ بابٌ مواربْ
وصوتٌ لنافذةٍ في الرياحِ تعاتبْ
فأغرقُ في الصمتِ أرثي غريبَ الزمانِ ،
وظلُّ المكانِ بمن غادروني يفوحُ
أراني على وقعِ همسِكِ يا بنةَ أمسي أضمُّ الشبابيكَ في داخلي كلَّ حينٍ غريقًا تئنُّ على عطرِ نافذةِ الروحِ روحُ
وتُودِعُ قمريّةٌ عشَّها في الخشاخيشِ وفي الدارِ ينمو جدارٌ ويكبرُ ثقبٌ وتغرقُ بالذكرياتِ ضلوعٌ بحجمِ الديارِ تنوحُ
فيا جارةَ الدارِ خفِّي عليَّ أما آنَ للقلبِ أنْ يستريحَ ؟
فهل يستريحُ ؟
سآوي إلى جبلٍ ..
فأنا آخرُ الخارجينَ من الماءِ
خلفي ثيابي مبللةٌ بالحنينِ
وقلبي تشظَّى شراعًا على هامشِ الريح يمضي
أراكَ ترتُّبُ رؤيايَ يا أبتي والدموعُ تُؤوِّلُ قلبي ..
وراءَ ضلوعيَ طفلٌ نبيٌّ
بجبِْ الغياهيبِ سجَّلَ ميلادَهْ بمدادِ المواجعِ ثُمَّ استوى غربةً واغترابا
مُنْ بادرَ الدارَ أشجانَهُ في الغيابِ
وسالَ مع الدمعِ يطرقُ في الريحِ بابا ؟
أ أنتمْ بقايا ضلوعي من الماءِ يا إخوةَ الماءِ
قولوا !
لماذا غدوتُ بغيرِ بلادٍ أهيمُ على ظمأٍ أنشدُ الوطنَ المستحيل ؟
َوأرسمُ في وحشةِ الأرضِ بالدمعِ دارًا وبابا ؟
فمن حرَّكَ الدمعَ يا أبتي غيرُ هذا الفراقِ العظيمِ ليشجوَ في أيكةِ الدارِ طيرٌ ينوحُ
فتنزفُ بالدمعِ في جسدِ الآدميةِ روحُ
فهل نستريحُ ؟
متى نستريحُ ؟