رصاصة طائشة

0 182

أحمد عباس – العراق

قال مخاطباً إياها وقد بدا عليه الشحوب والنحول وقلّة الحيلة بسبب ما آل إليه مآله منذ أيامه السود في سنواته السوداوية التي تمضي وتأتي غيرها تشبهها ولا تنتهي ابداً

– ماذا يحدث هل سأقضي طيلة حياتي مع ذلك الكابوس؟، آه سيفجر رأسي، أشعر بماكينات تخترق جمجمتي اللعينة، بئساً لك أيها القناص الأبله أصبتني في مؤخرة رأسي. هل كنت تريد أن يصطحبني ذلك الألم طيلة حياتي؟. بئساً لكم جميعاً لا أستثني أحداً.. أتعرفون ان الراقصات والمثليين والمتحولين أطهر منكم؟ .. نعم أقسم بذلك!!!

– ما بك يا حبيبي هل ما زال ذلك الكابوس يطاردك؟

-نعم هو ذاته. الكابوس اللعين يأبى مفارقتي

-لا بأس سأحاول تخفيف ألمك بجرعتك المفضلة.

-لا لا لم تعد مفضلة قد سئمت من ذلك.

-ولمَ سئمت؟ هل أحببت غيره؟

-الحب الحب.. أفٍ من الحب ومن قادني للجنون غير الحب؟ إن الحب يجعل الانسان غبياً وهو يعرف بمصيره مسبقا.

-وهل لي نصيب من ذلك؟ أنت ناقم عليّ أم على الحب؟!

-أنتِ هي من جعلني أكون مجنوناً، لقد فتنت بجمالك وصرت كالمجنون لا أعرف ماذا أفعل وها أنت اليوم قد تحولتِ إلى نصف ميتة ملأى بقصص الموت ورصعت خدودك جثث الموتى ونعاوى الأمهات الثكالى.

-انت محقّ، فأنا ذابلة اليوم كشجرة زرعت في مقبرة تشرب من دموع الأمهات وماء الورد المغشوش، المخلوط بماء آسن، يدخل القبور فيزيدُ أصحابها هماً وغمّاً حين يعلم الموتى أن ذويهم لازالوا مخدوعين في حيواتهم كما عهِدوهم..

-كل شيء اصبح مزيفاً، حتى الاحلام مزيفة والقلوب والأقلام والكتب والصحف والجوامع والكنائس والمعابد مزيفة.. وأما جوادٌ قد صار كما الكثيرين، يأكل ويشرب ويسافر.. يأكل ما لذ وطاب من النِعم، على فِعلاته معي ومع الكثيرين غيري، كنت أتمنى لو انني شرِبتُ من دمه قبل أن يفعلها.

– كفاك، لا تنفكّ يا حبيبي تذكره كل يوم، كل ساعة.. قد يكون نادماً على فعلته.

أجابها غاضباً:

-نادما؟!

ثم تولى زمام المبادرة بالكلام قبل أن تنبس ببنت شفه قائلاً:

-وما ذنبي انا هو ينال الإعجاب والتكريم وأنا ها هنا أسمع صراخ الأطفال والنساء وهم يطلبون مني أن أنصرهم وأنا لا أستطيع! أترين تحول منزلنا إلى سحاب من الدخان وراح الموت في كل مكان وهؤلاء ما زالوا يستنجدون بي وهم لا يعرفون أني قد امتلئ جسدي بشتى أنواع الرصاص حتى وأنا نائم يلاحقني ذلك القناص اللعين. أخبريهم أرجوك أنت تستطيعين ذلك!

-أنا؟! هل جننت؟ لالالالا يستحيل ذلك!!!

-ارجوك أتوسل إليكِ وأقسم عليكِ بكل الأغاني والأشعار بكل النوارس بكل شيء جميل.

-أنا التي ترجوك، أنا لا أستطيع، أنا خجولة. لم تزل دموع الأمهات تمزق أحشائي أرجوك أيها الجندي المغوار أعفِني من تلك المهمة..

قال يائساً متوجهاً الى السماء ببصره:

-يا إلهي ماذا أفعل وأنا أكوام من المعادن تقيد حركتي وتعتصر عظامي فوق جثتي؟. رحماك، إرحم آهاتهم وصيحاتهم فإنها تمزق أحشائي المتجددة ماذا أفعل لك يا جواد سليم لقد وضعتني في نصبك العظيم لكي أشاهد كل هذا الموت؟ ألا يكفيني الموت الأبدي ورصاصات القناصين التي تخترق جسدي وأجسادهم وانتِ يا عشيقتي قد تخليتي عني، أنت يا دجلة الخير قد احترقت بساتينك وصرتِ حزينة بائسة كحال الفرات حالك حتى النوارس هجرتك.. يا إلهي اني اختنق.. الدخان المتصاعد يخنقني، انجديني يا عشيقتي لا تتخلي عني أرجوكِ..

تعالي يا دجلة

انقذيني يا دجلة

تعالي يا دجلة

اتوسل اليكِ يا دجلة

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.