كانت الحربُ ولا شيء يُذكر قبلها

0 158

محمد حسني عليوة  – مصر

 

[إلى الموتى الذين تركوا،

على غير هُـدًى: مقاعدهم،

حلواهم المخبأة في الحقائبِ المحنيةِ الظهر،

ثمراتِ المشمشِ النيّئة

في كرّاساتِ الرسمِ..

ودخلوا الحربَ  من قاب دبـّابةٍ، وأدنى]

بينما هم يصنعون أنفاقًا

للجثثِ منزوعة الرأسِ

كي تمرّ إلى المقبرة..

 

أذاعوا على مسامعنا قيامةَ الحرب.

 

“كانت الحربُ ولا شيء يُذكر قبلها”

 

في الصُحفِ السيّارةِ أعلنوا الحرب

في ملاءاتِ الأطفالِ أشعلوا الحرب

في حشايا الصوف والأرائك

في صلاةِ العجائزِ بالحكايا

في كرازاتِ الطيرِ على الأيائك

في أمسيات الفطامِ

و الوردِ المُسلسلِ

في تاجها الشائك.

*

 

“كانت الحربُ ولا شيء يُذكر قبلها”

 

فوق جبلِ الزيتون

يصعد المطرُ برأسه المُنكّسِ

يجرّ وراءه المسافةَ بين زمانين

كلاهما يزحفان كالجرو/ مذبوحًا،

[لا يُخطئ المنجلُ في حصيدِ السنابل]

*

“كانت الحربُ ولا شيء يُذكر قبلها”

 

كم من جدارٍ

يُريح ظهره للأرضِ

كم من مشيئةِ ماءٍ

صعدت خلسةً

من أنّاتِ ساقيةٍ،

ونهرٍ كسيح!

 

ما أنْ تنزف الجمجمةُ قصيدتها

ما أن يرفع الهاتفُ صيحةَ الحرب:

-هلّموا لانتعالِ الخوذاتِ

ما أن يصل الخنزيرُ حظيرته

ما أن يُعلنون الموتَ للخونةِ

 

حتى أعادوا، المجرةَ ثانيةً

إلى دويلاتِ موتٍ وحرب

إلى مراكزِ سطوٍ مسلّح

ومصانعِ حرب

إلى قُبلاتٍ تتفحم فوق أسرّةِ حرب

وغبارٍ يغمرُ القمصانَ والمعاطفَ

النبيلةْ

بمقدور اللاجئين، ساعتها..

أن يجدوا شتاتًا يليق بأحذيتهم

أو خيمةً تُصنّـفهم،

لجملةٍ من رؤوسِ الماشيةِ

وزُمرةٍ من حطّابي الفُرصِ الهزيلةْ.

*

على أعتابِ/البلادِ

التي لم تعد غير أسمالِ بلاد

 

متجرُ الألعابِ

على وشكِ أن يفتح أبوابه

قفله الصدئ يرتجف

تحت وقع القذائف

وليس هناك ثمة أطفال

يعْدون في خلفيةِ المشهدِ المرسوم

في ذروةِ الصمتِ

الدانةُ جعلت من الدُّمى

أكياسَ خِصيان صغيرة

فقدها الجنودُ على أرففِ الذاكرة.

*

لا تملك الحرب أية فائدةٍ تُذكر!

ماذا سيتعلم الصغارُ

من أعداد الجثث في رسوم الخرائط

أو في كتبِ التاريخ؟

ماذا سيكسب الناسُ من رائحةِ الموتِ في كلّ مكان؟

.

تقول جدتي، التي أعطت الحياة 70 سنةً

من ضحكتها المُضيئة

وتركت، هناك، جدّي بساقٍ

لا تنتعل حذاءيه:

“لنعش بسلامٍ كما نُحب،

لا يُولد السلامُ في الخنادق

لا يُولد السلامُ في بالوعاتِ الصرف التي

تفتح فمها لاستقبال القنابل؛

فالعنوا الحربَ متى صلّيتم

متى جلستم لكتابةِ الشعر

متى وقفتم لتحية طفلٍ

يموت مصلوبًا على قدميه!”

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.