“يموتون عند الساعة الثامنة “

نص مسرحي قصير

0 251

أثير السادة – السعودية

وصف المكان ساحة مؤدية للسوق ورجل ضرير يبحث عن من يدله على مكان لإصلاح الساعات

الضرير:         يا سيدي…هلّا ساعدتني. أنا أبحث عن محل لإصلاح الساعات، ساعتي هذه تعطلت منذ أيام ولم تعد تذكرني بمواعيدي

الرجل1:         المعذرة. أنا غريب، لا أعرف المكان.

الضرير:         حسنا يا غريب.. (متحدثا لنفسه).. لا أظن بأن هنالك غريبٌ سواي. الغريب هو من لا يعرف الوقت الذي يحياه يا سادة. يا سيد.. أرجوك..أسعدت بكل خير. أنا كما ترى. لا أرى..أريد فقط أن ترشدني إلى مكان الساعاتي…لدي ساعة توعكت، وباتت لا تتذكر الدقائق ولا الساعات..أصابها الخرف..أرجوك دلني لو سمحت  الضرير

الرجل2:         للتو مررت به، هو الدكان الثالث إلى الطرف الأيمن من السوق..له لوحة حمراء بارزة..ستجده حتما هناك

الضرير:         أوه..شكرا جزيلا لك..كيف لم أنتبه..أوه تذكرت بأني أعمى..حسناً حسناً..شكرا يا سيد  يواصل المشي ويتواصل عبور الناس من ساحة السوق

الضرير:         يا أيها الساعاتي…يا ناصر الدقائق على الثواني..يا سادن الوقت والأماني، هل من أحد هنا…أليس هذا المحل لمروض العقارب..يا سيد

الساعاتي:       نعم نعم..أنا قادم..تمهل قليلا..سأغلق الساعة التي بيدي وآتيك

الضرير:         أنا في عجلة من أمري..لقد قطعت أشواطاً في السوق بحثا عن دكانك..أرجوك لا تتأخر

الساعاتي:       أهلا بك..ساعات الناس لا تعمل هذه الأيام..قضيت أشهرا أنتظر الزبائن ولا يأتون…وهذا الشهر لم أعرف سبيلا للراحة..لاتحمل هماً..تفضل..أخبرني

الضرير:         فضلك الله..ساعتي هذه..لم تعد كما كانت..فقدت القدرة على عد الدقائق والثواني..اعتدت أن أتلمس العقارب الملعونة، أتحسسها وهي تركض بين الساعة والساعة..من دونها صرت لا أشعر بطعم الوقت..أقصد لم أعد أميز الليل من النهار

الساعاتي:       هاتها..سأتكفل بصيانتها..بإمكانك أن تعود في الغد لاستلامها

الضرير:         لا أرجو…تلطف معي وأنجزها في الحال.. سأخسر الكثير لو تأخرت في إصلاحها..أرجوك..أنا بانتظار نشرة الثامنة..وما أدراك ما الثامنة

الساعاتي:       وما أصنع بطابور الزبائن الذين جاؤوا قبلك..أعدك بأن تجدها جاهزة في صبيحة الغد

الضرير:         أقول لك بأني سأتورط يا سيد..أنا من دون ساعة كالساعة ذاتها من دون عقارب..هنالك وقت قبل أن نصل للساعة الثامنة..خذ مائة..أو لأقل لك..خذ مائة ريال وريال إكراما لاجتهادتك معي.

الساعاتي:       المال لن يختصر الوقت يا عزيزي

الضرير:         صدقت..لكنه يشتري لك عاملا يساعدك في هذا الدكان..وهنا تصبح أسرع في إتمام المهام..هل رأيت،  أنت لا تبصر كما نبصر نحن معشر العميان

الساعاتي:       لقد ربحت الجدال..دع ساعتك وتجول قليلاً في السوق  ثم عد لي ثانية…لو استمريت معك في الجدال فلن أتم العمل، ولن أصلح لا ساعتك ولا ساعات الآخرين

الضرير:         من الذي قال..العالم يصلحه الحوار..فكيف لا يصلح حوارنا الساعات المعطلة في محلك..أنظر كيف يتحاور المتحاربون، والمتخاصمون، وأصحاب المصالح المشتركة، ليصلحوا من علاقاتهم..هل رأيت؟

الساعاتي:       أنت تصلح للحوار مع الإذاعة وليس مع أمثالي..أنا ساعاتي أصلح كل شيء بصمتي

الضرير:         لقد صدقت مرة أخرى..لذلك طلبت منك التعجيل ..أنا بانتظار الثامنة..نشرة الثامنة في مذياعي الذي لا يكذب..أنت لا تعرف ماذا يذاع كل مساء عند الثامنة..إنها ساعة الأرقام التي لا تخطيء..حسناً..دعك من كل هذا..وابدأ التصليح..سأكون قريبا

يغادر الضرير الدكان ويتخير زاوية من السوق يصغي فيها لهمس العابرين، ويسألهم بين وقت وآخر عن الوقت، وكل ما وجد فرصة لفتح أبواب للحديث معهم أطلق ارقامهم وراح يشرح لهم

الضرير:         (مخاطبا أحد المارة بعد التلويح له بعصاه) يا سيد..عذرا..كم الساعة الآن؟

الرجل:           إنها السابعة

الضرير:         هل تكذب علي لأنني أعمى..لقد غادرت المنزل وكان الوقت السابعة وخمس دقائق وثلاثون ثانية…وأمضيت في السوق وقتاً طويلاً..وتقول لي إنها السابعة..هل فقد الناس الحياء

الرجل:           لم أقصد..كنت تسألني كم الساعة، ولم تسأل كم الدقيقة والثانية..حسناً..هي السابعة وسبع وعشرون دقيقة واثنان وأربعون ثانية..وثلاث وأربعون ..لقد وصلت الآن “سبعا وأربعون”..هل هذا يرضيك..عليه أن أرحل فزوجتي في انتظاري

الضرير:         اذهب أيها الحريص على الوقت..وهل واعدت زوجتك على أن تأخذها السوق عند السابعة وتسع وخمسين دقيقة وعشربن ثانية…النساء لا يعرفن الفرق بين الساعات فكيف تريدهن أن يلتفتن إلى الدقائق..أذهب ..ونم في سيارتك

الرجل:           (متحيراً) وما أدراك بكل هذا..أقصد..لقد حدث هذا مرارا معي..وكانت زوجتي

الضرير:         (مقاطعاً) لا تكثر من الشرح..لقد علمتني الحياة كما ستعلمك أنت أيضا..النساء يحبون الساعات التي لا عقارب لها..لأنهم لا يحبون من يذكرهم بالوقت..يحبون الحياة إلى الحد الذي لا يريدون حتى الساعة أن تذكرهم كم من الوقت مر..هل رأيت كيف يخبئون أعمارهم وكأنهم يخبئون علبة من المجوهرات.

الرجل:           هههه..أنا زوجتي من هذا النوع..لو بلغت سؤال المليون وطلب منها أن تجيب عن سؤال حول عمرها، لاختارت الخسارة على المليون..في واحدة من المرات وضعنا لها شموعا بعدد سنواتها، فزادتها الضعف، لكي لا ينشغل أحد بعد الشموع

الضرير:         أنت ستحترق كالشمعة عما قليل، وأنت تراقب الباب وعقارب الساعة..ستمر الدقائق من أمامك مسرعة وأنت تفتش عن أسباب لكل مرة تتأخر فيها عن الموعد

الرجل:           كلهم زي بعض..دعني أمضي الآن..لعلي أنجح في دفعها للخروج على الموعد..دعواتك يا مولانا الضرير

الضرير:         (غاضباً) هل تتهكم علي أيها المبصر بلا بصيرة…قف لأريك بأنك أضر مني على كوكب الأرض…أين ذهبت (يتوارى الرجل عن الأنظار) لا بأس..سأراك يوما في نشرة الثامنة..سأضعك في القائمة، فمازال هنالك متسع للأروح الخفيفة من أمثالك

يخرج دفتراً من جيبه..قلب في صفحاته..ثم ينظر في كل اتجاه كمن يبحث عن أحد           

الضرير:         أنت..ياسيد..هل تسدي لي خدمة

الرجل2:         أنا..نعم..تفضل

الضرير:         شكراً لك..اقرأ لي لوسمحت هذه الصفحة

الرجل2:         على الرحب والسعة..هات لنقرأ..قتلى وجرحى في انفجار في سوق شعبي ببغداد، حيث بلغ عدد القتلى 292 قتيلاً

الضرير:         جيد جيد..قف هنا..هذا يكفي..أحببت فقط التأكد من هذا الرقم الأخير..كثيراً ما تضيع الأرقام الأخيرة لأن الناس بعد الخبر لأول تبتلع الصدمة وتمضي بذاكرتها بعيداً عن الحدث

الرجل2:         وأنت..لماذا تدون هذه الأرقام..هل تعمل في وكالة أنباء أو مؤسسة للإحصاء؟

الضرير:         أنا..لا..أنا يا سيد..أمم..دعني أشرح لك..تلك هواية قديمة..أنا من هواة جمع الأرقام..منذ أن أصبت بالعمى، شعرت بأن الأرقام هي وسيلة للنظر..أنت بلا أرقام لا تعرف عن هذا الكون شيئاً..كنت أجمع أرقام الأصدقاء، حتى مللت من انقطاعهم عني..تركت أرقام الأحياء، وصرت أبحث في أرقام الموتى

الرجل2:         لم أفهم..وبعد أن تجمع هذه الأرقام في دفاترك..ماذا تصنع بها؟

الضرير:         أنت شاب ذكي ولميح..سؤال جيد..أنا أحاول أن أنصف هؤلاء الموتى، فكم ظلمتهم نشرات الأخبار..يقولون مقتل المئات..مقتل العشرات..هذه استهانة بأرواح الناس..عني..أضع الرقم كما هو..رقماً دقيقاً..للتاريخ ياسيد..حتى لا يزور التاريخ مرة أخرى!

الرجل2:         أعانك الله في مهمتك..أرجو أن تصلح الجغرافيا في طريقك أيضاً..يالله..أستأذنك لأمضي في سبيلي

الضرير:         ماذا قلت..أصلح الجغرافيا..هل كنت طفلاً لأنتظر مزحة من أمثالك..استمع لي..أنا ..أين أنت..أيها الجبان الرعديد..هربت قبل أن ألقنك درسا في التاريخ يا ابن …الجغرافيا!

الضرير يلتفت إلى الدكان….ويتحدث للساعاتي

الضرير:         يا مصلح ما أفسده الوقت..هل أصلحت ساعتي..لم يتبق الكثير من الوقت قبل الثامنة..طمني

الساعاتي:       لا تقلق..ستكون جاهزة بعد دقائق قليلة..أنا اختبرها الآن قبل إغلاقها

الضرير:         فتح الله عليك كل باب مغلق..عجل علينا..فالموتى في نشرات الأخبار لا ينتظرون

الساعاتي:       أُصلح الساعة، ثم اتفرغ لحكاياتك الغريبة..كأنك تتنظر قيام الساعة وليس استلام الساعة

الضرير:         هنالك الكثيرون ممن تقوم ساعتهم في كل ساعة..أبواب القيامة تفتح عند كل نشرة إخبارية..ألا تسمع عن كل هذا الموت الذي يضرب في كل مكان..بالعشرات..والمئات..والآلاف..أنا أرى القيامة حاضرة في نشرة الثامنة يا أيها الساعاتي

الضرير يقف ليتجول حول الدكان…يتلمس الطريق بعصاه، يرن هاتفه فيجيب      

الضرير:         أهلا وسهلا..نعم..قل لهم أن يتريثوا…أمامنا بعض الوقت..أين..لا لا..أنا سأكون قريباً منكم بعد دقائق..أخبرهم بأن لا يغادروا..مازلنا على رهاننا..نعم..هو كذلك..في حفظ الله. الوقت يمضي وهذا الساعاتي لم يكمل اصلاح الساعة..إذا تأخرت لن أجد من يكتب الوحي المتنزل من المذياع…أه لو كنت مبصرا..لما تركت رقماً ينام بعيداً عن دفاتري

ينادي أحد المارة          

الضرير:         يا سيد…هل تريد أن أقرأ لك ماضيك

الرجل3:         لا…شكراً

الضرير:         لن تخسر شيئا..أنت فقط ستتعرف على ماضيك أكثر

الرجل3:         وما يعنيك في ماضيي يارجل

الضرير:         ولو..أما سمعت..اللي ما له أول..ما له تالي..وأنا في حقيقة الأمر أقرا طالعك من خلال ماضيك..جرب ولن تخسر

الرجل3:         تاريخي كله خسائر..فلا تشغل نفسك ولا تشغلني بالنبش فيه…لا شيء هنالك لأخسره حين أنصرف عنه

الضرير:         ام..ام..ماذا أصنع مع هذا الرجل..اسمعني ، في واحدة من المرات وجدت لأحدهم كنزا مدفونا في ماضيه لم يكن على دراية به، وتمكن بفضلي من استعادته والتمتع به..هل رأيت

يرحل الرجل 3 ويستمر الضرير في الحديث مع نفسه     

الضرير:         أين ذهبت يا رجل..ألهذا الحد تخشى ماضيك..ربما له حق..فالبعض يخلو تاريخه من الأرقام..يأتي لهذا العالم واحدا ويمضي وحيدا..بلا أثر..ربما تدبغه الأرقام…أرقام الفواتير وتكاليف الحياة فيموت شهيد الأرقام المنحوسة

يبحث عن آخر ليقرأ له طالعه    

الضرير:         أنت..نعم..أنت..هل لي بلحظة من فضلك

الرجل4:         (في كامل أناقته) ناديتني

الضرير:         أجل..أجل..صوتك يوحي بأنك محظوظ

الرجل4:         (متعجباً) وكيف استنتجت ذلك أيها العراف الضرير

الضرير:         تلك موهبة من الله يا سيد…الله يعوضنا عن فقدان البصر بالبصيرة . انظر..أنا أرى في دفاتر ماضيك الكثير من الأرقام المحظوظة..مؤكد أنك ولدت في اليوم السابع، وكان ختانك في اليوم الثاني عشر..وتزوجت في عمر العشرين..كلها أرقام مباركة

الرجل4:         لقد أصبت واحدة فقط حين اقتربت من إسمي ..إسمي مبارك..أما الأرقام التي ذكرت فلا أعرفها..بإمكانك أن تبيع بضاعتك على غيري..في آمان الله

الضرير:         تريث يارجل..لقد ولدت بعد تسعة أشهر بالتمام..فامنحني تسع دقائق لأبارك لك يومك

الرجل4 يختفي من المكان

الضرير:         الناس اليوم لا تعنيهم من الأرقام إلا أرقام النقود..لو تأملوا قليلا، لعرفوا أنهم مجرد أرقام، حياتهم، رزقهم، آخرتهم..كلها أرقام..لا يهم..أنا سأنتظر الثامنة..لكن قبل ذلك لا بد من استلام هذا الساعة المبروكة. (ينادي) أيها الساعاتي ..هل أكملت اصلاح الساعة?

الساعاتي:       تفضل هنا..هي جاهزة

الضرير:         (فرحا) بشرت بكل خير يا رجل..أين هي..دعني أرى

الساعاتي:       أمامك هناك..على يمين الطاولة

الضرير:         يا لفرحتي..شكرا شكرا..هذا عقرب الدقائق..وهذا عقرب الساعات.إنها الساعة الثامنة إلا خمس دقائق، تفضل..خذ نقودك

الساعاتي:       على الرحبة والسعة..لا تنسى متابعة نشرة الثامنة يا شيخ الأرقام

الضرير:         اطمئن..إصبعي على مؤشر الساعة الآن..أراك على خير..مع السلامة

يخرج ناحية باحة السوق ويفتش في جيبه

الضرير:         لن أستطيع الوصول إلى البيت قبل الثامنة..أحتاج أحداً ليساعدني في تدوين الأرقام..أمم..ما هو الحل

يفتش في جيبه ثانية..يخرج مذياعا صغيرا..ومن الجيب الآخر دفترا كبير الحجم، يراقب الساعة، ويبدأ عليه أمارات التوتر، يفتش يميناً ويساراً عن أي أحد في دوران موسيقي..ولا مارة في المكان..حتى يشعر بعبور واحد منهم ويبدأ بالحديث معه دون أن نعي ما يقول        

الرجل5:         حسنا ..ماذا أكتب الآن

الضرير:         ثانية فقط..ستبدأ النشرة

يفتح المذياع وتنطلق شارة الساعة الثامنة، لتبدأ نشرة الأخبار

صوت المذياع:  أيها السيدات والسادة، أهلا وسهلا بك معنا في نشرة الساعة الثامنة، ونبدؤها بالموجز، استمرت أعمال القصف الجوي في مدينة حلب بعد خمسين يوم من القتال، ولم تصل لنا حتى الآن أي تقارير تؤكد وقوع ضحايا في مواجهات اليوم.

شن مقاتلو حركة طالبان هجوماً واسعاً على كبرى مدن افغانستان، وأفاد شهود عيان باستمرار المعارك في أطراف المدن فيما لم تؤكد المصادر وقوع ضحايا حتى لحظة إعداد النشرة

تمكن خفر السواحل الإيطالي من إنقاذ آلالاف المهاجرين خلال يوم واحد قبالة سواحل ليبيا خلال محاولتهم الإبحار على متن زورق مطاطي نحو أوروبا.

شنت طائرات التحالف العربي، بقيادة السعودية، غارات جديدة على منطقة العاصمة اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون، وتجددت المواجهات الثلاثاء الماضي، بعد ثلاثة أيام من تعليق محادثات السلام التي رعتها الامم المتحدة في الكويت لأكثر من ثلاثة اشهر من دون احراز تقدم ملموس

بهذا انتهى الموجز، وسنوافيك بالتفاصيل في نشرة الساعة العاشرة من هذا المساء  

الضرير:         كاذبون..نشرة بلا أرقام تساوي أخباراً كاذبة..(غاضبا) أين أرقام القتلى..الجرحى..المقاتلين..الغارات..هل أصبحت الأخبار بلا أخبار

الرجل5:         يا سيد..لدي أعمال أكملها..أخبرني..ماذا تريد مني أن أكتب في دفترك

الضرير:         أنا مصدوم…أيعقل بأن قصفاً جوياً بلا ضحايا..اشتباكات في الهواء مثلا..هل يكتب المراسلون الحربيون من غرف النوم أم من غرف العمليات..ها..قارب مليئ بالآلاف..لماذا لا يتركون لنا رقماً دقيقاً وصريحاً!.

الرجل5:         لأن الأرقام تتكرر بنحو ممل..الموضوع بسيط..الناس أصبحت أكثر خبرة، تستطيع أن تقدر ضحايا الغارة الجوية، والاشتباك، وعدد الهاربين في زوارق بحرية..خمس سنوات من التدريب على الأخبار كافية لتخريج خبراء في تحليل الأخبار الحربية..أنت فقط اختصر علي الموضوع، ودعني أرحل.

الضرير:         لا…أكتب ما سأقوله لك: أقفل مؤشر سوق الموتى الدولي على ارتفاع طفيف، مع آخر نشرة أخبار، وانحصر التداول على سهم ضحايا القوارب، حيث ارتفع عدد الذين تم انقاذهم في السواحل، ولم يتحرك مؤشر موتى الغارات والاشتباكات حيث استقر عند تعاملات الأمس.

الرجل5:         هل حولت أخبار الموتى إلى بورصة أيها الرجل؟

الضرير:         سمها ما شئت..هذه بورصة تحفظ للموتى قيمتهم، الميت يساوي نقطة في السوق، نحن نكرم موتى الحرب بإدراجهم كأرقام في هذه التي تسميها بورصة

الرجل5:         ثم ماذا..ماذا تبيعون وتشترون في هذه السوق؟

الضرير:         نبيع توقعاتنا، نتراهن على عدد الضحايا في كل يوم، وننتظر نشرة الساعة الثامنة لنعرف نهاية مؤشر الأرقام..للموتى المقابر، ولنا أسهمنا وتقديراتنا وأشياء أخرى.

الرجل5:         حتى أخبار الموت باتت تجارة..ما أقبحها من تجارة

الضرير:         على رسلك..نحن نحفظ للموتى حقوقهم في أن يكونوا رقماً محفوظاً للتاريخ..نحرص على أن يكون كل ميت في هذه الحروب رقماً مسجلاً كما تسجل سوق الأسهم حركة تداولاتها..ولنا مآرب أخرى.

الرجل5:         تطارد قوافل الموت لتجمع منها المال..تسترق السمع على ضحايا الحرب لتتراهن ليلا..وتقول بأنك تحفظ للتاريخ سطوره المفقودة..وأنت ..من سيتكب تاريخ تجارتك اللعينة؟!

الضرير:         من قال بأني أتاجر ..لماذا لا تسمني سمساراً إعلامياً..تركت كل الذين يكنزون الذهب والفضة وجئت تتهمني لأني أجمع الأرقام..لا..أنا لا أقبل منك هذا الوصف..نعم…يأتي المال ويذهب من هذا الطريق وذاك الطريق..لكن القضية مبدأ..أنا مبدئي حفظ حقوق الموتى في هذه الحروب والمآسي عبر رصد أرقامهم بدقة.

الرجل5:         تفضل دفترك الآن…لقد كتبت لك فيه ما أردت..مع السلامة

الضرير:         أوه..هذا فضل منك وكرم…تعال قبل أن ترحل..اقرأ معي الفاتحة على الضحايا، وعلى خسارتنا في رهان اليوم

(إظلام)

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.