ستارُ الوحشة

0 878

هادي رسول – السعودية

أذهبُ إلى الليل… 

أذهب إليه عابرًا عتمته في دهاليز الذاكرة. 

الليل ستار الوحشة؛ وحشة الروح؛ لكنه رفيق الذات وأنيس خلوتها المُريع. ما إن تهبه بعضك حتى يهبك كله.

ما إن تلوّح لهُ بخيط شرودك المنسلّ من لحظة قادمة من صورة في مكان بعيييد في ذاكرتك الضبابية حتى يستلّك إلى زمنه، ويكثّف لحظاتك السديمية إلى صور فائقة الوضوح، حتى تكاد أن تلمسها.

ينفرط نسييجك الروحي -الذي ربما تظن أنّه متماسك- بين يدي هدأته، ولا تعود كائنًا واحدًا… إنما تتجزأ وتنكسر وتتشظى إلى كيانات متآلفة حينًا، ومتناقضة حينًا آخر؛ كيانات متجاذبة ومتنافرة، هامدة ونافرة، متدانية ومتنائية، خفيفة وثقيلة، شفافة ومعتمة… لعلّك ستحتاج إلى لغة الرياضيات ورمز اللانهاية ♾ لتعبّر عن كياناتك التي بعثرها الليل في صحراء سكونه المهيبة.

تحاول أن تبحث عن دليلك الذي سيرشدك لعبور صحراء الليل، فلن تجد سوى ذاتك المتشظية.

ربما تكون من الناجين؛ فتستطيع لملمة القليل مما نثرته يد الليل في صحرائه الواسعة، ولعلّك تكون من الهالكين؛ فتظنّ أنك استطعت لملمة كلّ شظاياك المتناثرة على كثبانهِ السوداءَ الحالكةِ والممتدة على احتمالات الغياب!

يا لبؤسك وأنت تظنّ أنك ستعود من الليل كما ذهبت إليه!

الليل: لحظتُك الأبديةِ في الزمن العابر.

****

لليل جدرانه أيضًا، يبدو ذلك متناقضًا مع صفة الصحراء! لا بأس!! 

للليل جدران العتمة، جدران لا تصطدم بها، ولكنها حواجز سميكة من العدم!

لوهلة ستظن أنها جدران حقيقية، فسرعان ما يرشدك التخيّل إلى استخراج صور الذاكرة من جيوبها الغائرة، المتسعة، والفضفاضة، وتبدأ في تعليق الصور المتدفقة على جدران الليل العدميّة، لتجدها تتلاشى في جوف العتمة كأطياف هاربة وخيالات شاردة وأصوات نائية… ووجوه سمّرها العدم إلى جوفه، وأطبق عليها حواجزه السميكة…

الليل … ما الليل؟

الليل: لحظتك العدميّة، في زمن ربما يجيء لآخرين مثقلين بك كذاكرة وطيف هارب!

الليل…

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.