(أخطاء لم ارتكبها بعد)، سرد يشبه الشعر، وشعر يشبه السرد

0 595

سمارود – القطيف

عن مهرجان الأفلام في دورته الثامنة، صدر للمخرج السينمائي محمد سلمان كتاب بعنوان (أخطاء لم أرتكبها بعد)، والكتاب الذي صدر عن مهرجان أفلام ولمخرج سينمائي، ليس كتابا عن السينما كما يُظن، بل هو نصوص اختبر فيها محمد سلمان أدواته السردية وطوعها في إطار سينمائي، في شكل سيناريو، هي كتابة جديدة شكلا.

اختار الكاتب هذا الشكل من الكتابة أو من الاعترافات، فهو يرى فيما يكتبه اعترافات أو (من مبطلات الوضوء) كما يسميها في مقدمة كتابه، فما كتبه هو فائض اعترافات على ورقة “في الغالب ما يكون معظمها مشوها وغير قابل للتصوير كالشعر الذي لا تستطيع البوح به لأحد”.

في الكتاب سرد يشبه الشعر، وشعر يشبه السرد، حكايات وقصص، أشخاص مروا به وأمكنة سكنت ذاكرته، قناعاته وإيمانه بما حوله. ففي المشهد الثاني من مشاهد كتابه، مشهد البدايات والنهايات يقول: “البدايات والنهايات هي سنة كونية، فلكل شيء بداية ونهاية، فالحي يبدأ عظيما مدهشا كدهشة طفل يشاهد البحر لأول مرة. يغرس قدمه في الرمل فتطوقه بنات المد والجزر تمرح معه”، وفي المشهد الذي يليه يعدد (أركان الحياة) ففيه ما تعلمه من أبجديات، فقد “علمني أبي. الرسم، والموسيقى، الأفلام، قدر الناس وتقديرهم، والضحك. علمتني أمي. اتجاه الصلاة اتجاه الحب، اتجاه الغناء، مخيال الحكايا، والبكاء”.

في بعض مشاهد الكتاب قصص قصيرة، ومضات سردية محبوكة بعناية، فمخيال الحكايا بان في ما يكتبه، في مشهد المجمع التجاري، وفي منتصف الليل “في المجمع التجاري لم تعد المحلات تضع مانيكانات للعرض. كلها أصبحت تتسوق الآن”.

في الكثير من مشاهده تحضر روحه الساخرة، فثمة نكتة مضمرة في ما يكتب، ففي هذا المشهد، وفي مجلس الرجال: “لا شيء يتحرك داخل المجلس الرجالي. الجميع صامت ومكبل أمام زجاج هواتفهم المحمولة. تومض كل شاشة بلون فتتقلب وجوه الرجال بل أصناف التعابير، كما لو كانت تلبسهم أقنعة مسرحية، ما عدا سالما الذي لم يكن سالما أبدا، فقد عرف كيف يموت الرجال اختناقا، بالأمس كسرت شاشة جواله”.

في قسم آخر من أقسام الكتاب عنونه محمد سلمان بـ(القرية) واستهله بـ”فضاء الذكريات ورحلة نبع الماء. القرية ابنة النخلة والبحر وأم الماء الذي سقى كل العابرين بها إلى أن جف وجفت القرية من حكايات الأولين”، يأخذنا إلى عالم القرية، إلى حالة من الحنين، إلى بساطة القرية وعفويتها وفطريتها، إلى حكايات الناس هناك عبر مشاهده السينمائية الشعرية السردية، حيث الفرح والحزن، وعيدية بيت الجدة، وأعمى القرية ومجنون القرية وشريط الذكريات.

وفي قسم آخر كان لوالد الكاتب الحضور الأكبر، فالعنوان كان (سلمان.. أبي)، الأب الذي علمه أول أبجديات السينما، فهو يصفه بأول مخرج “كان أبي يحفظ الفيلم عن ظهر قلب، يعرف ما حدث وما سيحدث، حين سألته من علمك هذا؟. أجاب وهو ينفث دخان سيجارته للسماء، وكيف لا يعرف المخرج كل هذا؟، كان أبي مخرجا رائعا، لديه مخارج كثيرة للسخرية فهو يعمل في صالة سينما ويشاهد كل الأفلام ويعيد مشاهدتها مرارا وتكراراً، هكذا تكون مخرجاً”.

يعرج أيضا على حكايا بيتهم، جدرانه، تفاصيل البيت “الذي بناه أبي بقلبه وأضاءته أمي بصوتها”، وعلى الألوان التي رافقت دراسته وعمله كمعلم تربية فنية. الكتاب فيه من الدفء والحميمية الكثير، فيه قدرة عالية على السرد بعيدا عن الترهل والثرثرة، ثمة مشاهد مقتصدة ومضات سردية غاية في الدهشة. كتاب محمد سلمان الأول قدم تجربة مغايرة، يقترب فيه من عوالم السينما والقصة والألوان والحكايات.

نختم هنا باختيار الغلاف الأخير من الكتاب والتي تدل فعلا على قدرته السردية التي أراه من خلالها مشروع لروائي قادم، “على الساحل يغزل البحارة مع الشباك وتخيط الأمهات ملابسهن مع الأشرعة، أما الفتيات فيطعمن البحر خطوات أقدامهن الراقصة على الرمل، يخرج البحر لسان أمواجه ويبتلع آثار أقدامهن خطوة بخطوة فيعود الرمل بلا أثر وتعود الفتيات للرقص حتى يقعن على صوت عكاز الشيخ العجوز وهو ينادي “حي على البحر””.

أخطاء لم أرتكبها بعد

محمد سلمان

صدر الكتاب ضمن السلسة المعرفية من مهرجان أفلام السعودية، بالتعاون مع دار رشم للنشر والتوزيع

الطبعة الأولى 2022

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.