العراف

0 621

شفيق العبادي- سماورد

لاشك أن المناخ الشعري الملتهب إبان حـقبة الثمانينيات وبداية التسعـينيات؛ وماصاحـبه من جدل فكــري غـير مسبــوق جـرّاء مـوجة الحـداثة التي ضـربت شـواطئ الشعــر (المحافظ ) في ساحـتنا الشعـرية وقـتها، حاملة معـها رمالاً متحـركة ابتلعـت ثوابـت وأنشأت عـلائق ثقافـية وفكـرية جديدة؛ قد عمل على تغيير الذائقة الشعرية والإبحار بها إلى هـذا المنتج الحديث. ومن نافـلة القول، إن هذا المناخ عـمل على تكريس قامات إبداعية شامخة؛ يأتي في قـمة هـرمها محمد الثبيتي. لاشك أن لهذا المـناخ أو المخاض دور في تشكيل مكانته الإبداعــية على خـارطة الشعــرية العـربية، واخـتصار طـريق عـبوره لدائـرة الضوء كونه نتاج مرحلة مهمة.

لكن السؤال الأهم لماذا استأثر الثبيتي بالمساحة الوافرة من الرقعة الإبداعية؟، سؤال أرى من الضروري أن يكون له نصيب في ذاكرة النقد، كون الثبيتي يعـتبر أحـد العلامات الفارقة لحداثتنا الشعرية، وذلك لترتيب الأوراق المبعـثرة التي خـلطت حابل الشعر بنابله والضحية في نهاية المطاف هو الحركة الإبداعية.

أما لماذا الثبيي؟

فبرأيي أن الثبيتي حقق الشرط اللغوي (الإبداعي) من خلال عدة أمور:

أولا: امتلاكه لمجسات ثقافية، وبوصلة معرفية مدربة لرصد اتجاه السياقات اللغـوية،   والثقافـية وما تحـتضنه في رحمها من نطـف التغـيير، ولقاحات الرياح الحـضاريـة الهادرة، وهـذا ما تجلى في حـساسيته الشعـرية المـبكرة التي نحـت منها (تضاريسـه) الخاصة لرسم خريطته الشعرية الجديدة.

ثانيا : تقطيره للغته الخاصة وفقا لمناخاته الخاصة جداً (وهذا أهم الشروط)، وعــدم استعارته ملامح أخرى لا تنسل غـير نسخ كربونية يضيع في فوضاها كل شيء ابتداء باللغة وانتهاء بالشاعـر.

ثالثا : إيمانه الشديد بطفولته الفنية (هوية كل المبدعين)، ومقدار الإستحقاق المطلوب لهـذه الطفـولة، سـواء على المستوى الشخصي ،ورفـضه لتشـريطات الواقع أو عـلى مستوى اللغة، والتي ظل أميناً لفطريتها الجمالية مـن خلال استصفائها من كل ما يرهلها من حمولات لا تمت إلى حضيرة الإبداع بصلة.

ماذا تبقى من الثبيتي؟

في الوقـت الذي تأرجح المنحى الإبداعي للآخرين، ظل المـنحـى الإبداعـي للثبيتي في مسار صاعــد فالتضاريس التـي بدأها في الثــمانينيات كلبـنات فــنـية بدأت خــطوطها المعمارية في الإكتمال وتطورت إلى لغة أشد خـصوصية لا تشيرإلا إلى الثبيتي وفقط، فاتحاً الباب على مصراعيه لتهب رياح الحداثة؛ لكن ببصمات (الأطراف) لا المركز هذه المرة.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.