نصفها في الكأس

0 1٬015

حسين عبد الهادي آل حماد – السعودية

من الواضح جليًا للمتابع للمنتج الأدبي للشاعر يُدرك مدى النضج بما وصل وقدمه من منتج، وكذلك نضج التجربة الشخصية بوضعه بصمه تخصه إذ لم يسعَ إلى استنساخ تجربة بذاتها وإنما تشرب مزيجًا من التجارب التي لاحقها من خلال القراءة الجادة.

ولذا أوردَ باقة من النصوص الأدبية مختلفة البناء إلا أنه ما زال وفيًا للنظم والنغم وإيقاعه، ولأن ما اسطره هنا من جانب القراءة الانطباعية بدرجة أولى وليست النقدية؛ أحيل القارئ إلى شهادة الأديب الناقد د. صلاح فضل والتي تعد وسامًا في حق الشاعر حين سأله بدهشة في مسابقة (أمير الشعراء) هل نشرتَ دواوين يا محمد؟

– نعم؛ ثمان مجموعات

– ثمان مجموعات!

– ولماذا لم تُقرأ على المستوى العربي بالقدر الكافي، هذا لونٌ من الشعر البديع الذي يجدد خلايا الشعرية العربية ويشي بأنك سيكون لك مستقبل عظيم في الشعر.

– شهادة أفتخر بها

– حقيقةً أعتقد أنك من اكتشافات هذا البرنامج.

الفكرة: ففكرة الديوان قائمة على التجديد والحداثة وعدم التأثر بالقديم والشعر الكلاسيكي حيث جاء مناهضًا له بحلة جديدة كما أراد لها أن تكون، وأعد هذا من نضج التجربة في المجمل بل التجديد هو عنوان مستقل وفريد.

كما جاءت بمضمون قائم على الذاتية والإغراق فيها.

روح الديناميكية: الترحال والبحث عن الذات لعل من أبرز مضامين النصوص هو رحلة شاقة بلبوس شيقٍ للبحث عن الذات ومكامنها والنصف الآخر المفترض، فمفردات كالسفر والترحال والمشي وفيرة إلى حد ملفت.

ومن أمثلة ذلك: أعودُ كطيرٍ أتعبهُ الترحالُ

                   وصار يفتش عن منفى!

ومنها: فإنني أرسو بكل دقيقة

         في مسرح الحلمِ الشهيِّ

        لكي أروّي بعضَ وهمٍ

     في يدي اليمنى

      وأرسم ألفَ لونٍ للرحيلِ

وأيضًا: أنى اتجهتُ ألوكُ الشوقَ في وجعي

          حتى فقدت مع الأشواق بوصلتي

         أنا ارتعاشٌ على أطرافِ معصيةٍ

         وأنتِ في قلقِ الترحالِ مدفأتي

الصور الشعرية: تواجد مكثف محكم لها في أغلب النصوص بشكل رائع وبديع فعلاً ما خلا بعض التفاوت في بعض النصوص، وأعتقد أن ذلك ربما يرجع لأمرين: هو الاعتزاز بالنص إلى درجة فقدان الشجاعة على الحذف في بعض الأجزاء.

والأمر الآخر هو اختلاف زمن الكتابة في النص الواحد

مثال: نص (شارعٌ طويلْ.. رصيفٌ قصير)

أسلوب العرض: يعتمد أسلوب الشاعر على المباشرة ولعل ذلك شبه ثابت رغم تغير التجارب وينعكس ذلك ببروز على سمات في النصوص منها والتي تقود إلى:

الإيروتيكية الناعمة: المباشرة واستدعاء بعض المفردات الصريحة ولو كانت رمزية لكان وقعها أجمل مثلاً في نص (شفرة من جحيم)

إني أراها تداعبُ حلمتها باشتهاءٍ

فتنخرها رعشةٌ

وفي نص (هاجس من الظل)

أغارُ كدلفين الحبِ

وأخشى أن يتدفقَ عُريكِ

في أحضانيَ سرًا

الوجدانيات والطبيعة: من النصوص التي تجمع سمات الشاعر وتهيمن هويته وقدراته بما ذكرنا آنفًا من كثافة الصورة والإغراق في الذاتية وهنا زاوج بين الوجدان والطبيعة وخرج لنا هذا النص الرائع (غفوة الصدف)

والذي منه:

يا دميةَ الطينِ ملحُ البحر أرّقني    في كلِّ صبحٍ لهُ شكٌ يبعثرني

هذي الشقوقُ مسافاتٌ مؤجلةٌ    في باطنِ القدمِ المنهوكِ تركلني

أمشي على فوّهاتِ الملحِ حائرةٌ   خطايَ في حبّةٍ للرملِ تكتبني

أرمي حجارةَ أحلامي على زبدٍ   قد صار يُشعلُ قنديلي، ويبصقني!

نصفها في الكأس
مجموعة شعرية للشاعر محمد الحمادي صدرت عن بسطة حسن 2020

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.