عمارة ما بعد الحداثة .. زها حديد نموذجاً

ورشة فن – عمارة

0 2٬403

فاروق سلوم  – السويد-سماورد

عمارة ما بعد الحداثة لغة معمارية ملتبسة، مواجهة لفشل الحداثة في تكريس مشروعها: ملامح تقنية أساسية تتجاوز التاريخي والبيئي وتتعايش معه، ومشروع عمارة ما بعد الحداثة يستفيد من مرجعيات دون ان يكررها، إنه انتقائية بحتة ومحاولة ليقظة مغايرة للتراث والتاريخ. الأهتمام بالبصري والعناية بالملمس والتقنيات وعدم الأكتراث بالتناظر بل أنه تشكيلة غير متناظرة من عمارة المكان وألوانها وموادها الإنشائية (خليط الحديد والبلاستك والخشب والأسمنت غالباً) هي جوهر عمارة ما بعد الحداثة، واذا كان اوسكار نيميير قد ترك لمسته على  المعمارية زها حديد فقد اشتغلت هي لثلاث عقود على تطوير منهجيتها في صياغة خواص مميزه لعمارة ستظل مؤثراتها طويلا على المعرفة المعماريه وعلى حياة المستعمل في المركز الحضري .  زها حديد .. تفتت الأشكال لتضيء بفكرتها الخالصة عن الكيان المعماري المتخيل، انها ترمي اية احتمالات بصرية عادية.. بعيدا، وقد تعودت ان ترى العالم ببصيرة خاصة ومفكّكة؛ و تصمم مشاريع غرائبية لعمارة الغد بحيث يتغير مفهوم الفضاء .. مثلما يتغير مفهوم الوظيفة وتتحول المشاريع تلك الى مواقع تشبه النصب .. حيث تضيءملامح الهوية الخاصة للمكان العام.

الفنتازيا..الفنتازيا :

انها منشغلة بتفكيك ماهو قائم ولذلك لايلمح المتابع لمشاريع حديد الاّ تطويحات فردية مستقلة لترمي فلسفتها على جسد مقاربات مفتته لتصميم المشروع .. اي مشروع، انها تنتمي الى رؤية تفكيكية هي غالبا بصيرة متقدمة لرؤية العمارة – او المبنى مرسوما ومتخيلا اكثر مما هو تصور المشروع قائما. يقول استاذها منذ عام 1977 وشريكها فيما بعد ريم كولهاس: ان تصاميم زها عمل مشفر، عمل دلالي فيه اكثر سحرية من اتساق المشروع مع بيئته الى عبور المشروع مصمما فوق تاريخ البيئة المحيطة الى مستقبلها الآتي .. لذلك لاينبغي قراءة مشاريع زها التصميمية من خلال عصرها .. انها تظهر اليوم من أهم رواد العمارة العالمية بكل اتجاهاتها وفرديتها أيضا .. ولكي تؤكد زها حديد الرؤيا ذاتها تعلق على انتخابها من بين سيدات العالم الذين سيؤثرون في مستقبل العالم خلال 2008 كما في الفيغارو الفرنسية قائلة: الفنتازيا أهم من العمارة .. اذ ما ان يرى المصمم مشروعه على الورق حتى يصير وديعته الذاتية .. أي مسار تصوره المستقبلي لسحرية المكان أية استراتيجية لاتحتوي على خيال أوسع من المبنى هي استراتيجية مغايرة لفكرتي عن العمارة ..
ان تفتيت زهاء حديد لفضاءات عمارتها، هو نمط من تفكيك بنى، وإعادة صياغتها في انساق متقلبة في الأفضية المصممة او في الأحياز وعلاقاتها مع بعض حتى لتبدو الواجهات التي تخططها هي أهم عمل تصميمي له طابع التشكيل ولكن بأبعاد ثلاثية.

من تصاميم زها حديد
من تصاميم زها حديد
غوانزو أوبرا-الصين
غوانزو أوبرا-الصين
متحف حيدر علييف-أذربيجان
متحف حيدر علييف-أذربيجان

إن القيمة التصميمية لمشاريع زها تأتي من خلال ماتشتغل عليه من بنى معمارية متغيرة ان في المنظور أو في المبتغى بحيث تتأكد رؤيتها الذاتية كمصممة مثلما تتأكد إمكانية التأويل الثري لدى المتلقي حين يتأمل سيرة المشروع من خلال تصاميمه وأبعاده وطاقة المصممة على تفتيت كل ثابت الى ماهو دائم الحركة.

كل إيحاءات اشتغالات زها حديد تمنح إحساسا رمزيا بالأشياء.. وذلك نمط من استثنائية الأستنتاج .. استثنائية الشعوريقوم المدرك غالبا على مطلق من افكار وتأويلات هي صنعة فنتازيا الذات بغية استيعاب منهجيتها ولنقل برنامجها وهي تشتغل على مشاريع مقترحة . المرسى المقترح في أبوظبي،  ومشروع الجسر المصمم في دبي، هما نموذجان لأستيعاب تاريخ المكان ومن ثم اختصار هويته الى رموز ودلالات تحفظ ارث العمارة المحلية وتطلقها الى مسافات زمانية باتجاه الغد، لكن دون أن يبدو ذلك ملمحا معماريا متعارضا مع طبيعة المكان .. المبنى المركزي لشركة بي ام دبليو في لايبزك هو من مشروعاتها لعام 2005 يشكل في قراءة تصميماته ترجمة جريئة لمتطلبات مؤسسة غير عادية في ادائها العالمي من الناحية الوظيفية لكنها اختصرت ذلك الأيقاع الغلوبالي الى منحى رمزي في التصاميم وانفتاحها الداخلي .. أي أنها وقد ألغت الحدود الداخلية للوظيفة قد أعطت في ذات الوقت الخصوصية المطلوبة لإتمام تلك الوظائف دون فقدان الأستقلالية من جهة والتواصل من جهة أخرى. انها تعتمد على رسم نماذج تصميمية تقوم على فلسفة دمج البنى التصميمية ولكنها في ذات الوقت تبددو خارج نسق الوحدة التصميمية للمشروع منسرحة مربكة ولكنها متقنة في اقتراحها. وغالبا تأخذنا تصمميات ومشاريع زها حديد الى منحنيات معرفية عبر كيانات بليغة في لغتها المعمارية.  نحن إزاء معمارية ذات إصرار في رؤية مستقبلية للعمارة وقد جمعت عناصر الأرث المعرفي للعمارة الحديثة لترسم ملامحها الذاتية الفذة في تأسيسات فردية مابعد حداثية ـ مشروع المحطة وموقف السيارت مثلا – ستراسبورغ 2007، هذا مشروع مقترح تصميميا لكنه في شكله المخطط يكتشف المكان اي انه وسط بيئة معمارية تاريخية يرسم فضاء مقترحا هو كناية عن فسحة مشغولة بالوحدات التي تؤدي وظائف المشروع لكنها افضية مفتوحة تعطي معنى الأتساع لنقل دلالة الأتساع في حيّز مكاني مكثف بسبب طبيعته المحيطة انها تعيد تشكيل معرفة العصر معماريا وتطلق للمدينة ومشاريعها افقا مغايرا ..

 

للإطلاع على أعمال المهندسة الراحلة زها حديد:

زها حديد

• معمارية عراقية بريطانية.

• ولدت في بغداد عام 1950.

• لها شهرة واسعة في الأوساط المعمارية الغربية وحتى العربية.

• بدأت نشاطها المعماري في مكتب ريم كولاس وإليا زنجليس.

• أنشأت مكتبها الخاص عام 1978.

تدريسها:

• عام 1994 ُ عينت أستاذة في قسم التصميم في “جامعة هارفارد” وأستاذة في “جامعة شيكاغو”

• عملت معيدة في كلية العمارة في لندن عام 1987 ،وانتظمت كأستاذة زائرة في عدة جامعات في أوروبا وأميركا منها “هارفرد” و”شيكاغو” و”هامبورغ” و”أوهايو” و”كولومبيا و”نيويورك” و”ييل

• كانت عضواً شرف في “الأكاديمية الأمريكية للفنون والأدب” و”المعهد الأميركي للعمارة” معارضها:

• أقامت العديد من المعارض الدولية لأعمالها الفنية التي شملت التصاميم المعمارية والرسومات واللوحات الفنية في لندن ونيويورك وطوكيو، وشكلت أعمالها جزءاً من المعارض الدائمة في متحف الفن الحديث في نيويورك ومتحف العمارة الألمانية في فرانكفورت.

بعض جوائزها:

• حازت على “جائزة بريتزكر” في الهندسة المعمارية عام 2004.

• وعلى جائزة ستيرلينج”، ووسام الإمبراطورية البريطانية والوسام الإمبراطوري الياباني عام 2012.

• حازت على الميدالية الذهبية الملكية ضمن “جائزة ريبا” للفنون الهندسية عام 2016.

وفاتها:

• تُوفيت المعمارية العراقية زها حديد في ميامي بالولايات المتحدة الأمريكية في 31 مارس 2016، عن عمر ناهز ال65 عامًا، إثر نوبة قلبية مفاجئة.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.