أعدت كتابتها، وحظيت بفرصتها

جدل - الرواية الأولى

0 742

عبلة جابر –فلسطين

منذ صغري، وأنا ينتابني هاجس الرواية. كنتُ أحلم بروايةٍ وحيدة فقط. على الرغم من أنني مسكونة بالشعر ومسحورة بالإيقاع.

يستغرب الكثيرون مني، حين يعلمون أنني أقرأ الرواية أكثر مما أقرأ الشعر. شيء ما في الرواية كان يجذبني إليه؛ ربما هي القدرة على خلق عالم موازي.

في الرواية فقط، نستطيع أن نتقمص الآخر أن نعيشه؛ أن نخرج من أنفسنا؛ وكأننا نسافر منا إليه. نحاول فهمه، نحاوره ونحاورنا، ونفلسف بعض المشاعر في داخلنا. نؤسس للعالم كما نريده؛ لأول مرة نشعر بالقدرة على التحكم في كل شيء.

هذه الميزة في الرواية تروي جزءاً من تعطشنا البدائي للسيطرة.

أذكر تماماً تلك اللحظة التي قررت فيها المغامرة بكتابة رواية، أو لنقل محاولة رواية الحقيقة. انها لم تكن رواية بل نوفيلا صغيرة. وقتها، كانت حرب غزة مشتعلة في الداخل الفلسطيني؛ وكنتُ منفيةً أشاهد كل شيء من بعيد عبر وكالات الأنباء والتلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي.

انتابني هوس تتبع كل خيطٍ هناك. بدأت أعيش تفاصيل الحرب افتراضاً؛ فقررت كتابتها على شكل مذكرات لفتاة اسمها سلام. انغمست بعالمها حتى آخره؛ وانتهيت منها بأقل من شهر. فرحت، قمت بإرسالها وبكل جرأة إلى دار الآداب. كان ردهم لطيفاً جداً حين طلبوا مني اعادة كتابتها. الحقيقة أنني لم آخذ النصيحة على محمل الجد. تركتها على سطح المكتب وعدت للشعر من جديد. حبيبي الذي كلما أخونه أجده ينتظرني بحب.

هكذا قوبلت أول محاول لي في النشر بالرفض.

أعدت الكرة مرةً أخرى؛ فأنا فتاة لا تعرف الاستسلام. كانت هذه المرة مختلفة، أقرب إليّ، تشبه مرحلة ما عشتها أو هكذا خيل إلي. كنتُ أصحو وأنام على الجهاز، سرقتني من عالمي تماماً. اسميتها اندثار. لا أعرف إلى أي حد وفقت فيها؛ لكني فيما بعد، وبعد أن اشتركت في ورشة البوكر، أدركت نقاط الضعف الأساسية في الرواية. المهم أنني أرسلتها هذه المرة للدار العربية للعلوم ناشرون. وكانوا قد تبنوا طباعتها على نفقتهم بالتعاون مع درا ثقافة. فرحت فرحاً شديداً. أخيرا حروفي سترى النور.

نشوة الفرح هذه وقتية كباقي الأشياء في حياتنا، فبعدها يأتي الندم، ومحاسبة النفس. كان من الممكن أن أعيد كتابتها، أن اردم بعض فجواتها. هكذا يبدأ جلد الذات.

في البداية يحبه بل يعشقه، يتباهى به. لكنه حين يخرج لم يعد ملكاً له فحسب، فلقد أصبح بيد القارئ، هذا يحبه وذاك يكرهه، هذا يهاجمه بسببه، وذاك ينتقد. وهنا يبدأ الصداع. كل هذا أمر طبيعي لاسيما في البدايات

تنويه:

بالعودة لرواتي الصغيرة الأولى (النوفيلا) “سلام بتوقيت الحرب”، فقد أعدت كتابتها من جديد، وحظيت بفرصتها؛ فها هي سلام تحصد المركز الثالث في مسابقة إسماعيل فهد إسماعيل للرواية القصيرة. عليه، أرى أن التمهل والعودة للعمل بعد مدة تلعب لصالحه.

سلام بتوقيت الحرب
سلام بتوقيت الحرب

مخطوطة

جائزة إسماعيل فهد إسماعيل للرواية القصيرة.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.