أستمتع بهزّ جسر العلاقة بين الدال والمدلول

جدل-لمن نكتب؟

0 840

د. كامل فرحان صالح-شاعر لبناني-سماورد

إذا كانت السلطة عامة مؤسسة على السكوت لا الحوار، فإن سلطة الكتابة تؤسس على الحوار لا السكوت، حيث هي حوار بين الكاتب وما يعتمل فيه من أفكار، وحوار بينها وبين سياقاتها، وحوار بينها وبين متلقيها، وهي حوار أيضا بين المتلقين لها.

الكتابة، وفق هذا الرأي، فعل حوار وتفاعل وتواصل. هي جسر عبر اللغة، يمتد من “أنا” الكاتب إلى “آخر” القارئ، وتالياً لا وجود لكتابة خارج هذا السياق.

لكن، لا بد من الاستدراك هنا، للإشارة إلى ما يقوله بعض الكتاب هنا وهناك، “إنهم يكتبون لأنفسهم أولا، ولا يهمهم القارئ”، وتالياً لا يشعرون بالذنب إذا فهم القارئ ما يكتبونه أو لا.

يبدو هذا التوجه سلوكياً نفسياً، ويختلف من كاتب إلى آخر. لكن إجمالاً، الكاتب لا يسعده أن وجد نصه مهملاً ولا يتفاعل معه أحد، فالكتابة في هذا المعنى، سلطة، ولبسط وجودها لا بد من طرفين.

’’الكاتب لا يسعده أن وجد نصه مهملاً ولا يتفاعل معه أحد، فالكتابة في هذا المعنى، سلطة، ولبسط وجودها لا بد من طرفين’’

في المقابل، تختلف شرارة الكلمة الأولى في النص بين كاتب وآخر، وإذا كان المسيطر في هذا السياق، أن الانطلاقة أو الشرارة، تأتي إثر مسار من الحمولات الفكرية والنفسية الناتجة عن موقف معين أو رأي أو حالة أو أزمة، فهي ببساطة، تأتي تماهياً مع الحياة في مواجهة الموت، فالكتابة من حرفها الأول إلى آخر حرف فيها، حفر إنساني صارخ يتوجه للموت ليقول له: إذا أخذتني إليك لن تمحي أثري، وها هو باقٍ فيما أكتبه.

انطلاقاً من هذا، يبدو رأيي الخاص غير بعيد عما ورد أعلاه، في مساراته المتشابكة والمعقدة والبسيطة. فأنا أعبر عن وجودي في فعل الكتابة، كما يعبر الأستاذ عن نفسه في ممارسة التعليم، أو كما يعبر بائع الخضار عن نفسه ببيع المنتوجات الزراعية تماما، هو تعبير يبحث عبره  كل إنسان عما يمكنه من بسط سلطة ما، أو بصمة يضعها في مسيرته الذاهبة مهما فعل وابتكر وهرب، إلى الزوال الجسدي.

يبقى أن أقول أخيرا، إنني أكتب لأرى عبر الكتابة حالات أخرى للتواصل، ولمتعتي في هز جسر العلاقة بين الدال والمدلول.. فأنا أستمتع بالانزياحات وإرباك المعاني، حيث أتمكن عبر الكتابة ــ أو هكذا أشعر ــ من خلق عالمي أنا لا ما يفرض عليّ.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.