لا مسرح بلا جمهور

جدل - تكاملية المسرح

0 725

خالد المسلماني – الأردن

ان فن المسرح كفعل يتميز عن غيره من الفنون كونه فن المواجهة الحي ما بين الممثل والجمهور منذ نشأته الاولى وحتى يومنا هذا، فلا مسرح بلا جمهور. وقد تطورت العروض المسرحية عبر التاريخ من خلال مكملات العرض المسرحي من اضاءة وخدع بصرية، من خلال الاستفادة من تقنيات السينما والتكنولوجيا بشتى انواعها ليتطور مع تطور الزمن ومواكبة تكنولوجيا العصر، لكن المسرح يبقى كما هو من ناحية انه فن جماعي وتكاملي ما بين الممثلين فيما بينهم على خشبة المسرح وما بين الجمهور ومدى تفاعله مع العرض المسرحي. لهذا كان الممثل ولا زال هو العنصر الاساس للعرض المسرحي فلا عرض مسرحي بلا ممثل ولا مسرح بلا جمهور، ولكي ندرك تكاملية العرض المسرحي فلا بد من الانسجام الكامل بين عناصر العرض المسرحي من ممثلين في ادائهم الجماعي في التعبير الخارجي من خلال الصوت والجسد وتعبيرهم الداخلي من الانفعالات والمشاعر، هذا بالاضافة الى الديكور والاضاءة والملابس والموسيقى والتي تساعد في اظهار الجو العام للمسرحية والبيئة والزمان التي تمثلها عدا عن الماكياج والمؤثرات البصرية او الصوتية لتضيف احساسا لدى المتفرج بالمشهد المسرحي وكل هذا يكمل بعضه بعضا وضمن رؤية فنية متكاملة يقوم على اساسها المخرج باستخدام كافة ادواته للتعبير عنها فكريا وفنيا حتى يستطيع تقديم عرض مسرحي مليء بالمتعة والجمال.

وبما ان الممثل هو أساس العرض المسرحي فالمخرج يستطيع الاستغناء عن بقية مكملات العرض المسرحي، إلا انه لا يستطيع الاستغناء عن الممثل لأنه الفعل الحقيقي على خشبة المسرح، فالممثل الذي نراه على خشبة المسرح مبدعا ومقنعا يكون قد استطاع التفاعل مع شخصيته التي يؤديها داخليا وخارجيا من خلال الاندماج والمعايشة الحقيقية للشخصية ومن خلال حركة الجسد والصوت ليكتمل بناء وتقديم الشخصية بكل مشاعرها وانفعالاتها داخليا وخارجيا.

من المهم لنا عندما نقدم أي عرض مسرحي أن نعود لمخزون ذاكرتنا لا اراديا لنقدم عملا مسرحيا يليق بالممثلين والمتفرجين. وقد لجأ البعض الى التجريب في العمل المسرحي خلال التجهيز للعرض المسرحي رغم ضبابية هذا المصطلح لأنه يشعر البعض أحيانا انها تصلح لمختبر، مع انني أميل كثيرا لهذا المصطلح لان التجريب بالنسبة لي يعد جزءا من التجهيز للعرض المسرحي حتى أنه يعتبر منهاجا مسرحيا. وفي نظري ان التجريب هو حالة ابداعية توصلك الى ما تصبو الى تقديمه بالصورة الذهنية فكرا ومضمونا وتقدم صورة مسرحية متكاملة رغم أن الكثير لا يؤمن بالتجريب، وهذا بنظري خطأ، فالتجريب هو نبش مخزون الذاكرة لانتاج الافضل والاجمل والا فكيف يولد الابداع لهذا نرى محاولات جميلة ابداعية في التجريب على الممثل من خلال الجسد والصوت والديكور والسينوغرافيا ومعظم مكملات العرض المسرحي، حتى مع ظهور تقنية الهولوجراما. علما اننا لا نستطيع تسمية استخدام الهولوجراما امام الجمهور بالعرض المسرحي، لأن جسد الممثل غائبا عن المسرح فيها رغم انها تقنية ثلاثية الابعاد مليئة بالمتعة والجمال، ولكنها تفقد خاصية المتعة والتواصل بين الممثل والجمهور وهذا ما يعود ينقلنا عن الممثل، فلا ممثل بلا نص مسرحي. لأن للنص المسرحي أهمية كبيرة، فلا أعتقد انه يمكن الاستغناء عن النص المسرحي في أي عرض مسرحي لأنه يحتوي على الحوار وهم أهم عنصر من عناصر المسرحية، فلابد من وجود نص مسرحي يشتغل عليه الممثلون حتى لو قامو بعمل مختبر تجريبي لتأليف نص مسرحي  ليقدموه الى الجمهور بعرض حي ومباشر يستطيع الجمهور التفاعل معه، حتى يبقى للمسرح رونقه وجماله لأن المسرح يجب أن تكتمل عناصره وتكامليته ما بين العاملين في العرض على خشبة المسرح وما بين الجمهور ليكون تفاعلا حيا بينهم بعكس بعض العروض المسرحية التي تقدم على شاشات التلفاز أو الفيس بوك وهي تجربة جيدة يتعرف الناس من خلالها على المسرح، ولكنها تخل بقدسية المسرح مثلها مثل المسرح الرقمي الافتراضي الذي يقدم مسرحياته للجمهور عن بعد وخلف الشاشات، مما يفقد المسرح خصوصيته من ناحية التفاعل ما بين الممثل والجمهور ويلغي خاصية التطهير التي يقوم على اساسها المسرح واعود واكرر لا مسرح بلا جمهور.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.