رواية (الرجل الرابع) إصدار جديد لمحمد الرحبي
سماورد – عمان
صدرت في مسقط رواية “الرجل الرابع” للكاتب والإعلامي محمد بن سيف الرحبي لتكون تجربته السابعة في الحقل الروائي، والإصدار الثاني والثلاثين في مسيرته التي بدأها عام 1994 بصدور مجموعته القصصية الأولى “بوابات المدينة”.
الرواية، الصادرة عن مؤسسة بيت الغشام العمانية، تحتفي باللغة كأبرز موثق لحركة الصراع بين/داخل الشخصيتين الأساسيتين، ضمن نسيج عاطفي يضع الحب في مفارق طرق منذورة للغياب، رغم تشبث القطبين ببعضهما البعض.
يعتمد الرحبي على لغته الشعرية في تتبع حركة الرجل والمرأة، مع حركة دائرية للحدث. تبدأ في الفصل الأول ولا تنتهي في الأخير إلا لتعود سيرتها الأولى لبداية الرواية؛ حيث الرغبة في التحليق عبر المطارات تقود الشخصيتين ليلتقيا من جديد، لكن اللقاء يبدو وداعية أخرى، في سلسلة لا متناهية من الوداعات نمارسها في حياتنا، أو في رواية هذه الحياة، مفتتحاً الرواية بجملة لجلال الدين الرومي “”أيها المسافر، لا تضع قلبك في أي منزل، وإلا أصبحت مهمومًا عند الرحيل عنه”.
تتناول الرواية رجل ستيني يفتش عن هويته في المكان؛ الهوية الملتبسة في روحه وجسده أيضاً. يلتقي الفتاة العشرينية التي ترى فيه الرجل الرابع الذي تتمناه. هو بحنان الأب وفكر الأستاذ، والأهم يعوضها عن زوجها المنفصلة عنه مؤقتاً؛ فيجمع الثلاثة في قلبه العاشق والشغوف بالحياة، لكن غروب شمسه لا تتلاقى مع شروق فجرها وإقبالها على الحياة. هذا، لأنه رجل الفيزياء المتحدث عن الحياة بمجموعة نظريات بينما، هي الشاعرة الباحثة عن دفء الكلمات.
تبدأ الرواية بقطعة شعرية، يسردها صوت محايد:
“ما بين زمنين، تمدّ كفك، تلوّح بوحدة مبعثرة، علّها تصل بتلويحتها ما فاتك في زحمة القطارات، والاتجاهات، والمدن المتمدّدة في غيابات جبّك.. الخاوي من ماء، الممتلئ بوحشة تقتات من روحك، وحيث لا يصلك الصوت إلا.. محض صدى.
ضائع في زمنك، وزمنها.
يتقاذفك زمنان: زمن تمسك بفوهة بركانه، وزمنها المتسلل من مسامات جسدك كله، من باطن وعيك، ولا وعيك.
كأنك ضائع بين وعيين أيضا كما أنت ضائع بين وقتين، وقت سيأتي لا محالة، وآخر مضى دون حيلة.. حيلة الواثق من قدرته على النزال في ميادين فروسية اتسعت أشد من حيلته وقد تآكلت أحواله، لكن الميدان الوحيد المتبقي أمام جوادك أوسع من أن تبلغ أشواطه، وأنت في الشوط الأخير، كائن متعب، تتصبب عرقًا، وفرسك يزحف كعجوز هرم، يكاد يبلغ المنتهى أو لا يبلغه.. على حواف الريح يمضي، أرجله تخبّ في الأرض كأنها تسحب الريح من أمامها عنوة، وقد كانت تقذف الريح خلفها بقوة.. وبقسوة.
زمنك منسحب منك..
أما زمنها فجاء في وقت فوات أزمنتك المتعثرة في تدافعها، فلم تقبض على شيء، ورجعت من شوطك الأخير مهزومًا، منكسرًا، لا تدري أي أرض ستحملك، أو ستدفن فيها، كما تخبرك تشاؤميتك التي تغرقك في أتونها منذ أن خرجت من المستشفى، والطبيب يتلوّى كي يعطيك أملا.. أنت المدرك بأن الأمل محض خرافة، عليك أن تصدّقه، وتجبر روحك أن تستمع إليه، أنت المجازف بسماع صوت جسدك في فراغاته، أما الامتلاء الروحي فقابل للمراوغة، رضوخا بمؤثرات الموسيقى والجمال وغير ذلك من محفزاتك البديعة”. تقدم الرواية عطر حروفها لقارئها فيشعر أنه جزء من حدث الحياة، أكثر مما يقوله العمل الفني.
يذكر أن المؤلف محمد بن سيف الرحبي تولى تحرير ملحق شرفات الثقافي الصادر مع جريدة عمان منذ تأسيسه ولسنوات عديدة، ومدير تحرير للجريدة ذاتها لاحقاً، كما تولى رئاسة تحرير مجلة الثقافية، وحالياً رئيس تحرير مجلة التكوين، ومدير عام (ومؤسس) دار بيت الغشام للصحافة والنشر.