كل الأبواب تصفق كأجنحة
حتى القدر، وهو يعدو كالخائف هكذا
يجرح نفسه، ماذا تريد مني؟ طمأنينة؟ أو استسلاما؟ وقوعاً على الأرض؟ ماذا؟ أعتصر نفسي لأقف؟ أمد يدي فيما بين العجلات؟ إنني أعدو لا لأصل أو لأقع وينتهي كل شيء، أعدو لأن الخوف يقرعني بسياطه، ها انظر لعظامي تتفتت في العدو، للحمي يتقيح، لعيني تذوبان في ملح عرقي..
لو كان ما تراه أنا لصدقتك، لكني أتلاشى، تخاطبني فأتفتت، تنظر نحوي فأختفي، كل ساعة أنا خلاف ما أنا عليه، ما من نهاية، أدركُ الآن، لا الموت ولا الخلود، الصيرورة وحدها قدري، أنا جنية الإسوارة، تتدحرج لتغوي بلمعان الذهب، وفي كل دورة تنقلب لما ليست عليه، ولا شيء يعيدها لصورتها الأولى، ماذا تريد مني؟
يارب.. أعطني وجهاً أكونه،
لساناً أنطق به،
قبراً لأصلي لك،
جرساً في ساقيّ ليكون لعدوي معنى.
ها هو الغريق،
كل ما يصير إليه هو أن تنمو له أيدٍ جديدةٌ، لا لكي ينجو، أو يصل إلى ساحل، إنما ليستمر في مصارعة الغرق، ها هو دون استسلام يشتهيه، لا ترفعه أيديه ولا يثقله جسده، فارغ من الهواء فلا يطفو، ولا يتله للأسفل القدر..
لا شيء ينتهي، أيها الغريق
لا البحر ولا امتلاؤك بماء التجربة
لا السواحل الأوهام
ولا أسنان الضوء على الزرقة
كائناً خرافياً تصير
كائنا من دموع وزبد
أيها الغريق
يا انتظار الملوحة الأبدي
يا رعشة الجفن على طحالب المغالبة
توقف قليلاً، لا لتنجو أو لتغرق
توقف، لتجف على شفتيك
كلمة البحر.
3.
رأيت الحياة كما هي
شقا صغيرا في وجه بلا فم
شُقّ ليبدو فماً
رأيتها تنزف من طرفي الجرح
ورأيتهم يقولون إنها تبتسم
ورأيتهم يقولون إنها تشرب الدماء
ورأيتهم يقولون إنها مهرج
ورأيتهم يقولون إنها تتبرج
رأيت الحياة كما هي
واشتهيت تقبيلها.
لم أجد المخرج، وجدتُ يدي من بعيد ترفع إصبعها مهددة، وجدتُ الكلام الكثير الذي لم أستطع حشوه في قصيدة، يسدّ عليّ المنافذ.. وجدتُ الظلال المستقيمة كمشارط تطقطق على الجدران.
أتحسس رقبتي، فأرى مرايا في كل جانب تتحسس رقاب الفشل المنكسة، لم أستطع إيجاد الباب، فتحتُ فمي.. وخرجت منه، وحين انزلقت خارجه، قال: توقف! نظرت من خلفي، وجثوت على ركبتي.. كانت شفتاي ترتجفان، وسبابتي محشورة بين أسناني.. وكل الأبواب، كانت تصفق.. كأجنحة.