لا يوجد شهداء في هذه المدينة
مبارك المبارك – العراق
“لا قاضٍ سوى القتلى:
وكف القاتل امتزجت بأقوال الشهــود
وأدخل القتلى إلى ملكوت قاتلهم
وتمت رشوة القاضي
فأعطى وجهه للقاتل الباكي على شيء
يحيــــرنا…. “
*محمود درويش
أستيقظت عائشة، في الثانية عشر من منتصف الليل، بعدما أحست بعطش شديد، فنهضت لتشرب كأس ماء. تمددت بعد عودتها إلى فراشها للنوم؛ وقبل أن تضع غطاءها الأزرق المورد على رأسها التي تعودت أن تحشر جسدها الصغير تحته كل ليلة قبل أن تغفو، جالت بنظرة متفحصة في فضاء الغرفة الواسع، فرأت أن كل شيء تحول إلى اللون الأسود: التلفاز المعلق على جدار الغرفة أمامها، والمروحة السقفية، والشبابيك التي تطل على ساحة الدار، وحتى رؤوس أخوتها كانت سوداء؛ كل شيء صار جزءًا من الليل حالك السواد، هناك شيء غريب!!
خافت كثيرًا، وقالت في نفسها ماذا يجري؟
وبحركة خاطفة سحبت غطائها المزكرش، وغطت رأسها، ثم أستسلمت لنومة عميقة؛ لكن هذا النوم لم يشبه نوم الأطفال الذين هم في السادسة من العمر، ولا ذلك الحلم الذي تراه الآن… كل شيء يدعو إلى الريبة!
عائشة؛ تصعد فجأة سلمًا نحو السماء الأولى، وأصبحت النجمة الثامنة “لبنات نعش”، لكنها أوقفت الجنازة، وبدأت تتكلم مَعهن!
– قفن، يا غبيات كُفن عن البكاء والدوران بلا نهاية، لاتصدقن كل ما يجري، حتى هنا في السماء، موطن النجوم والقمر والظلمة فيها خداع!
قالت العرجاء، إحدى بنات نعش..
– عن ماذا تتكلمين يا طفلة؟
ردت عائشة، بصوت غاضب..
– اصمتي أيتها البلهاء، وماذا تعرفين عن هذا الذي تحملنه منذ الازل؟
قُلن بصوت واحد متجهم…
– إننا نحمل (أبانا)… الجدي قتله، لكنه لايعترف بجرمة هذا اللئيم…
– ماذا؟! أنتن ساذجات، قبر أبيكن جاهز اطمرنهُ لتنتهي هذة المهزلة، وقبل ذلك، فالجدي ليس له علاقة بالأمر!! إن أباكن هو الذي تهجم على سهيل، أراد أن يباشر زوجته، فسهيل لم يتحمل مشهد اعتداء نعش على زوجته بعد أن كشف عن نهديها الكبيرين، فَهَوى عليه بفأس وأرداه قتيلاً…
دوامة من غبار ومطر ودخان كثيف، هبوط ودماء في كل مكان: على الأشجار، وعلى الأرض ضفيرة صفراء، ولحم فخذ ضئيل على عتبة الدار، بيت ليلى، التي لم يتبقَ منها سوى الرأس واللسان الناطق، عائشة جالسة على السرير في غرفة ليلى المقتولة، ليلى آه منكِ، إن الذئب المسكين الآن يتجول بين الغابات، ويأكل فتيات صغيرات؛ وحتى قبل أيام وجدوه، يضاجع امرأة في الثلاثين من عمرها، أرادوا أن يقتلوه لولا أنه هرب بسرعة،
قال لسان ليلى، المتبقي من جسدها…
– ألم تقبض عليه الشرطة بعد؟
– لمّا تقبض عليه؛ وهو ضحية، قالت عائشة وعينيها حزينتين، وأضافت
– إن أهلنا كذبوا علينا، الخطأ عليك، لماذا كنتِ سمينه، وهو كان جائع، فاشتهى لحمكِ الأبيض الطري… إنه ضحية أخرى، وكل المجرمين عبر التاريخ ضحايا…
وقبل أن تتكلم ليلى، لتبرر جريمتها، عاد كل شيء كما كان، واستيقظت عائشة، عطشى مرة اخرى..
صباحاً، في التلفاز، سمعنا نبأ اغتيال فتاة لم تبلغ السادسة من العمر، والقاتل لم تكتشف هويته إلى الآن… إلا أنهم قالوا إن عجوزًا شاهدت وحشًا ضخمًا يركض في حيهم…
إنني أعتقد أن المجرمين سهيلاً والذئب، ومجرمين آخرين كلهم تجمعوا بجسد “غولٍ” خيالي وقتلوا عائشة الضحية!!
mobarkalmobark415@gmail.com
شكرا سماورد؛ شكرا من القلب ممتن جدا لكم…
احسنت رفيق … لك مني كل امنيات التفوق والاقدام في شق طريق الاحلام
أحسنت- يا مبارك المبارك.