يدُ الأشياء
علي عاشور-أوتاوا
ملأت الوحدةُ كراسي فراغها وأجلستني على الأرض. رقيقةً كانت. فتاةٌ تفتحُ باباً على مهلٍ لتطّل وتغلقه، خجلةً، كانت. تحدّثت عن الراحل من خوفٍ إلى خوفٍ أشدّ منّه. كان ضعيف النظر، يؤمن بعبور الشارعِ من عدسة إلى عدسة. فسخ قدميه من صغره وعلقّهما على مشجب الليالي الآتية. مهووسٌ بنظّاراته الكثيرة. لكلٍّ منها اشتغالها. نظارةٌ للمرور من الغرباء. نظارةٌ للانتظار على الرصيف، أو الوقوف على فراغٍ أهمله عمّال النظافة. نظّارة للقراءة. أختٌ تشبهها لسماع الأمس. و نظارةٌ مكسورةٌ للحب و الكتابة. هكذا يوزّع التعبَ حسب قياس وجوده. لا تعجبهُ الجموع. كان يضعُ كتبه كلّاً على حدا. يحترمُ الكتاب الوحيد، يسميّه الواثق من قراءته. يبتعدُ عن البيوت القديمة لبروز تعداد أحجارها، مما جعلهُ مغرماً بالجدار المصبوغ. أحبّ يوماً يوسفَ لسقوطه وحيداً بالبئر. أحبّ البئر منفرداً بمائه، الماء برائحة الرقم الواحد، وفكرة السقوط مسيرةً.
لشدّة ما كان يخاطب الأشياء – دون البشرِ- أفردَ لكلّ شيءٍ حكاية يصفه بها. كانت النافذة مسمارَ الليل. الباب حجّة الأذن للمس هواء. الشارعُ يدُ الصباح المارقة. و كانت الطاولة جهدَ الرائحةِ للغناء. هكذا قالت الوحدةُ، عن الراحلِ الذي يؤمنُ بأن الغرفة تنبتُ من عزلة صاحبها لا من حاجة السكنة. إذ التقى هنالك بالوحدة التي فتحت بابها على مهلٍ كي يدخلَ ويغلقهُ.