قبلة في الملجأ

0 667

لينا شباني – لبنان

في العام 1984، كانت الحرب الأهلية في لبنان، وتحديدًا زمن ما يُعرف بـ “انتفاضة 6 شباط”، في أوجها. الصواريخ تتساقط على منطقة “بيروت الغربية” ومنطقة الجبل كحباتِ المطر. يومها، كانت لولو في عامها الخامس عشر، طفلة بدأت مراهقتها وتفتَّح وعيها في الحرب، فعرفت أول ما عرفت، كأبناء جيلها، صوت المدافع ومآسي الحروب. كعادة الكثير من اللبنانيين، خلال الحرب الأهلية، استمر والديّ لولو في التنقل بالعائلة من منطقة إلى أخرى، هربًا من ويلات الحرب، وطلبًا للأمان.

في العام 1984، وأثناء هذه الجولة العنيفة من الحرب، كانت لولو مع عائلتها قد استقر بهم الحال في منطقة بيروتية بعيدة عن خطوط التماس التي كانت تفصل بين ما كان يسمى وقتها “الغربية والشرقية”، خال الأهل يومها أنها ستكون أكثر أمانًا من خطوط التماس؛ لكن ما حدث عكس المتوقع، اشتعلت بيروت بشقيها بالصواريخ، والقتال على أشدِّه.

لاذ سكان المنطقة إلى ملجأ يقع في بناء كبير في الحي، ولولو مع عائلتها كانت معهم. ملجأ عامر بأناس جمعت بينهم ويلات الحرب، وجمع الخوف قلوبهم على التعاطف والمودة والتكاتف، على أمل أن ينجو الجميع من هذا البلاء.

كانت لولو تجلس في زاوية وحيدة، تقرأ قصصًا خيالية، تلهي عقلها المشوش عن التفكير بالخوف الذي يحاصرها منذ أن وعت الحياة. اقتربت منها فتاة تكبرها بالسن قليلاً، سلمت عليها وتعارفتا، ثم دعتها الفتاة لتشاركهم أصدقاءها لعبة “القنينة”… لعبة يجلس فيها الفتيات والفتية بشكل دائري واضعين في منتصف الدائرة قارورة زجاجية، يفتلها أحدهم، فمن اتجهت شفتها نحوه وجّه أمرًا ينفذه من اتجه كعبها ناحيته. كانت لعبة مسلية لهؤلاء المراهقين، أحبتهم لولو رغم أنهم يكبرونها ببضعة سنوات. ضحكوا كثيرًا وعلا صخبهم لدرجة استدعت أحياناً تدخل الكبار ليخفضوا أصواتهم.

أشارت الزجاجة هذه المرة إلى فتاة لتأمر فتى- للأسف أن لولو لم تعد تذكر الأسماء- فتلقّى الفتى أمراً من رفيقته بأن يقبِّل فتاة تعجبه يختارها. تفاجأت لولو باقترابه منها طابعًا قبلة رقيقة على خدها، كانت تجربتها الأولى مع القبلة. احمرت وجنتاها وهي تبتسم، بينما الرفاق يضحكون ويصفقون. بينما همس هو لها شيئاً لم تسمعه، ووجنتيه محمرتين، وفي عينيه بريق غرورٍ وخجل… وانتصار، وهو ينظر إلى رفاقه.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.