وصال والأبواب الموصدة

0 389

 

 

سحر عبد الله – سوريا – سماورد

أختي وصال التي تكبرني بسنوات خمس، أدركت باكراً وأدركتُ معها بأني سأكونٌ ملجأها الأخير والوحيد.

وصال التي كانت أمي تغطي وجهها وهي طفلة بقطعة شاش بيضاء لتحمي بشرتها شديدة البياض من الحسد كانت قد أعيت أطباء حماه ومصياف، بسب التهاب أذني لسنة كاملة، ستكون محطَ أنظارِ الكثيرِ من الخاطبين والراغبين وهي مراهقة، وسيعاقبها الزمن بعنوسةٍ قاسيةٍ وجحودٍ قاس من الأهل.

تلك الأختُ التي كانت تحملُ لي حقائبَ المؤونة إلى المدينةِ الجامعيةِ في المزة بأناقةٍ واهتمام، أكياس الفطائر والمحمَرة وقطارميز المكدوس واللبنة، وتصرُ على هديةٍ في كل مرة إما حذاء أو كنزة. وحين ألومها، تقول لي شو بدك تضلي تلبسي من البالة (الثياب المستعملة)؟؟

كنت أقول في سري، ادرسي وتخرجي واشتغلي يا سحر حتى تردي الجميل لوصال.

في حفلة زواجنا أنا وعلي، كانت وصال موجودة، وطبخت لمن حضر وأكل، ورقصت بوجهٍ وجسدٍ فرَ منهما الفرح، ولها صورة يتيمة كي نتأكد، أنا وهي أنها كانت هناك.

ستغادرُ بيتي الجديد وتعود للقرية، كي تجد ما تبقى من حياتها مرمياً أمام باب غرفتي الصغيرة الموصدة -غرفتنا، غرفة الأحلام والذكريات – مرمية أو مكومة كقمامة منبوذة، مشاعر وصال، كيانها، قلبها كان مكوماً ينتظرها كي تضعهُ على عجلٍ في مكانٍ ما.

ستعبئ وصال أحلامها وماضيها في صندوق معدني خفيف كنا نسميه السحَارة، وللطرفة هي نفس السحَارة الي أحضرها والدي معه من سجن المزة، بعد أربع سنوات قضاها هناك عقاباً له كمعارض، في نهاية السبعينات من القرن الفائت.

ستتمكن وصال من العمل كخالةٍ في قرى الأطفال بدمشق، لترشح للعمل كأمٍ بعد فترة قصيرة لإظهارها اهتماماً ورغبة بأن تكون أما ًعازبة لأطفالٍ أيتام وذوي احتياجات خاصة.

يحدث أن تسافر مرة في إجازة لزيارة الأهل، وتعود بعد يومين كي تجد باب غرفتها موصداً في وجهها بحجة إحالتها للتحقيق بخصوص أولادها.

في مرة ثالثة ستحاول وصال زيارة بيت كان مرة لي – أو لنا – قبل مغادرتي دمشق للعمل في الخارج، ستجده مقفلاً أيضا أو موصداً وبأقفالٍ جديدة، وأنها لم تعد مخولة أن تدخلهُ بنسخةِ المفاتيحِ القديمة التي تحملها.

ترحل وصال وفي قلبها ثلاثة أقفال، ثلاثة خيبات، ثلاثة انكسارات،  وبيدين خاويتين.

هما نفس اليدين اللتين كانتا تزرعان القطن والبصل والشوندر، ونفس اليدين اللتين كانتا تقلعان القطن والبصل والشوندر، اليدين اللتين حملتا الكثير من أبناء الأخوة مثلما حملتا مرض أمي وأبي دوماً.

اليدين السخيتين كدمعها.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.