كتاب “مداد الكلمات” ثمرة تعاون ورشة نصر سامي لكتابة القصّة القصيرة وجمعية التعاون المدرسي بجبنيانة*

2 1٬911

 

دلندة الزغيدي – تونس

رأيت ذلك في عيوهنّ. لمعان يوحي بجذوة عشق الحرف، أتين مهلّلات باسم الكلمة المعششة في رؤوسهنّ الصّغيرة والّتي تشقّ حناجرهنّ لتمتدّ في نبض العبارات، لتخطّ أوّل تجربة في الكتابة. رأيت ذلك الحلم يكبر في عيونهن ويتوق ليوم الميلاد، ميلاد أوّل قصّة. وقصّة تنجب كتابا عنوانه “مداد الكلمات” تلك هي ثمرة حلم أضحى حقيقة، أقلام تدرّ حكايات مختلفة المذاق، متنوّعة المواضيع نقشتها أياد صغيرة في تجربة فريدة تقع لأوّل مرّة في الخضراء اليانعة وبالتّحديد في قلعة غريبة لا يزورها أحد.

غريبة تلك القلعة، ظلّت وحيدة، منبوذة أصابتها لعنة الحقّ منذ البداية، وظلّت تلاحقها حتّى شاخت، قلعة هدّها التّاريخ وتسلّطت عليها الجغرافيا، كلّما كبرت وامتدّت انسلخ عليها أبناؤها حتّى ضمُرت واضمحلّت، أصابها الوصب فازدادت قبحا ولكن لا أدري من أين تأتيها تلك القوّة الرّهيبة على الإنجاب، حبّالة هي وولّادة. تلد أطفالا كالقمر يكبرون في رحمها ويترعرعون في أحضانها، ويمرحون في ربوعها وينضجون، ولمّا يحين القطاف، يهربون. ولمَ الهروب؟ بسبب القبح. القبح يا سادة مرض عضال إذا أصاب قلعة دمّرها.

أعجب لأمر هذه القلعة! رأيت أياديها تمتدّ وترمّم الشّروخ الّتي شقّت جدرانها، تمرّر الطّين على قوامها بأياديها الهرمة، لا تأبه لجمال حيطانها قائلة: “عصّب لي راسي، وخلّيني نقاسي”. وتلد وتلد ويكبر مواليدها ويرحلون، ولكنّها تلد دون أن تسأل ربّها: “أنّى لي أن ألد وقد اشتعل رأسي شيبا ولم يمسسني بشر؟”. مواليدها يرحلون، وتبقى وحيدة غريبة إلى أن زارها يوما غريب. غريب في قلعة غريبة، ماذا عساه أن يفعل؟ أصابه القرف من شدّة قبحها ولكن رأى أمرا ما، رآه من زاوية مختلفة، رآه من حيث لا يراه أحد، فنّان هو في اللّعب بالقبح حتّى أنّني عثرت في كثير من مخطوطاته على معالم القبح. اتّخذ من القبح موضوعا لكتاباته، الشّر والقتل والوجع وكلّ قبيح، ومن فرط اللّعب بالقبح أصبح هذا القبح روايات وقصصا وأشعارا ملهمة، قمّة في الجمال. ولأنّه يرى كلّ شيء من زاوية مختلفة رشق عينيه في عيون بنات القلعة. زهرات يانعات يقطرن ندى، اجتمع بهنّ سنة 2022 فأطفأ معهنّ شهيلي أغسطس، فرش لهنّ قماشة القبح وطفق يعلّمهنّ الحكاية والنّسيج والتّطريز بالكلمات، تمطّطت القماشة وزخرفتها الفتيات بعبق الكلم، وجذوة الفكر وحلو القول فأتى هذا المولود البديع “مداد الكلمات”، كتاب شاركت فيه صبايا جبنيانة في ورشة تدريبيّة ورشة نصر سامي لكتابة القصّة القصيرة، امتدّت هذه الورشة على امتداد أربعة أيّام من الأوّل إلى الرّابع من أوت 2023 بمقرّ جمعيّة التّعاون المدرسي بجبنيانة، وفّر لنا رئيسها السّيد الهادي الوحيشي وأعضاؤها السّيد توفيق عبّاس والسّيدة قمرة النّايلي المقرّ والإمكانيّات اللّوجستيّة لتنفيذ هذه الورشة. وبسبب الإمكانيّات الماديّة البسيطة الّتي لا تخوّل للجمعيّة أن تقيم ورشات كبيرة أو فعاليّات ضخمة، اشتغل مدرّب الورشة الشّاعر والكاتب نصر سامي بالمتاح. و”الشّيء من مأتاه لا يستغرب”. فبحكم معرفتي الشّخصيّة بالكاتب نصر سامي فإنّني لا أبالغ حين أقول إنّ هذا الرّجل هو التّواضع بعينه، ولا أستغرب ذلك منه أيضا لأنّ التّواضع من شيم العارفين والكرام، ولعمري إنّ هذا الرّجل عارف. عارف بمجاله بل مبدع فيه، نصر سامي له خطّ فريد في الكتابة، لا يشبه أحدا، وهذا التّفرّد جعله إذا كتب الرّواية أبهر، وإذا كتب القصيدة أبدع، وإذا كتب المسرح أوجع، وإذا كتب المقالة أقنع. أقف مبهوتة، عاجزة عن التّعليق عند القراءة لنصر سامي، أتساءل ماذا عساي أن أعلّق على هذا الإبداع؟ أخشى أن يشوّه تعليقي حسن ما يكتب، فأعيد القراءة مرّات ومرّات، وأكتفي بالقول: “الصمت في حرم الجمال جمال”. ولأنّ نصر مثقل بالإبداع فإنّه يتواضع تواضع العلماء ويقنع بالقليل لإنجاز الكثير دون قيد أو شرط، يشتغل بالمتاح لينتج شيئا ضخما بديعا، لا يشترط الإقامة في فندق ضخم أو أصناف طعام مميّزة، أو مقابلا لإقامة هذه الورشات، ولا يوجد للتّربّح المادّي بابا في قاموسه، كلّ شيء مجّاني، عطاء بلا حدود. فنصر سامي يؤمن بدوره كمثقّف عضوي، إن مسك القلم أبدع وإن كتب أوجع، ورغم إشعاعه عربيّا وإحرازه على العديد من الجوائز المهمّة كجائزة الشّارقة عن رواية حكايات جابر الراعي وجائزة كتارا عن رواية الطائر البشري. ورغم أنّ قصائده ترجمت إلى الإسبانيّة ومسرحيّته إلى الإنجليزيّة ورواياته كتبت فيها مقالات نقديّة تتّسم بالأدبيّة والحرفيّة من قبل جهابذة في الأدب، إلّا أنّ إشعاعه في وطنه الأم يبقى خافتا مقارنة مع إشعاعه عربيّا وعالميّا، ومعرفة سبب هذا لا يحتاج إلى الكثير من العناء، فباختصار نحن يا سادة في عصر التّفاهة.

وهذه الخلفيّة الأدبيّة والفنّيّة تخوّل لنصر أن يكون مدرّبا حقّا، وهذا ما يتوافق تماما مع المعايير التي يمكن اعتبارها في الحكم على شخص بأنه قادر على التدريب على الكتابة الأدبيّة، مع رأي  الخميسي الّذي وضع عدّة شروط للمدرّب، قائلاً: “يجب أن يكون لدى المُدرّب خبرة إبداعيّة لسنوات طويلة، وأن يكون له إنتاج أدبي متحقّق في المجال، وموثوق في قلمه الإبداعي، وأن يكون متمتعاً بقدرة نظريّة على الشّرح والتّوضيح، وفقاً لرؤية فكريّة وأدبيّة وفلسفيّة، وليس مجرد نقل المعلومات من الإنترنت أو الكتب فحسب، بالإضافة إلى إخلاصه في المتابعة مع المتدرّبين، ونقل خبرته إليهم، وتفتيح مداركهم، وتصحيح أخطائهم”. ولهذا فهو يؤكد على أهمّية ورش الكتابة، باعتبارها من وجهة نظره: “تُلهم المتدرّبين، وتطوّر أدواتهم، وتساعدهم على العصف الذّهني والكتابة”.

         ورشة نصر سامي لكتابة القصّة القصيرة أوت 2022 نفّذها الكاتب نصر سامي بالتّعاون مع منسّقة الورشة الكاتبة دلندة الزغيدي، والنّاشطة وعضو جمعيّة التّعاون المدرسي بجبنيانة السّيّدة قمرة النّايلي الّتي قامت بمجهود مشكور بالبحث عن الدّعم المادي لكتاب “مداد الكلمات” من عديد الجهات. شاركت في الورشة الكاتبات الصّغيرات: رتاج درويش (3 قصص)، ويمن البكوش (قصّتان)، ونرمين السّوسي (قصّتان)، وشاركت كلّ من الكاتبات آمنة مفتاح، مريم الغضبان وريحان الحضري بقصّة واحدة. اكتسبت المتدرّبات مهارات الكتابة وتعرّفن عن أهمّ تقنيات السّرد وكتابة نص قصصي على امتداد أربعة أيّام، أربع ساعات يوميّا (من 9 صباحا إلى 13 ظهرا)، وكان التّدريب مكثّفا حيث تمّت تغطية المحاور التّالية:

  • البناء القصصي (الهرم القصصي)
  • أركان القصّة: (المكان، الزّمان، الشّخصيات، الحبكة)
  • الأساليب البلاغيّة التي تساهم في أدبيّة النّص القصصي
  • السّرد والوصف والحوار
  • علامات التّرقيم

والهدف من هذه الورشة هو تطوير تجربة النّاشئة الكتابيّة، وخلق وعي بالكتابة الإبداعية، وباللّغة والبناء، وتنمية الخيال. فقد يكون الكاتب المُبتدئ له موهبة الكتابة، فيكتب حكاية، ويعتبرها قصّة، هنا تصلح الورشة، لكي تشتغل على جعل الكاتب على دراية بصيغ التخييل القصصي، وكيف يمكن تحويل الحكاية إلى قصّة. وقد يعتقد البعض أنّ ورش الكتابة تقوم بعمل السّحر وقهر المستحيل، وهذا أمر لا أجد له صدى في هذه الورشة. بل على العكس من ذلك، بدأ التّدريب من منطقة مبكّرة وهي أن يكتشف المتدرّب بالأساس ما إذا كان موهوبا وقادرا على الاستمرار في طريق الكتابة من عدمه. ورشة نصر سامي لكتابة القصّة القصيرة هي منطقة اختبار وفحص قبل أن تكون مكانا لتخريج كتّاب تسعى إلى أن تصعد بالمتدرّبين إلى مراتب عالية، لكنّها لا تستطيع الدّفع بهم من نقطة الصّفر إلى قمّة الكتابة، لأنّ الإبداع عموماً والأدب بصفة خاصّة لا يوجد له “وصفة جاهزة” على حدّ قول الروائية سلوى بكر، فورشة كتابة القصّة تجهّز الكاتب لكتابة عمل أدبي، يعتمد على الموهبة بالدّرجة الأولى، وتُرشد إلى الوجهة لكنّها لا تسير بالكاتب، تضع الخريطة أمامه لكنّها لا تمنحه الكنز. والعمل الورشوي ليس بقادرة على فعل ذلك حتما، ولهذا فنهاية الورشة التدريبية هي بداية المشوار في عالم الكتابة، وليست خاتمته. ورشة كتابة القصّة هي إذن أحد أبرز الآليات التي يتم من خلالها دعم الموهوبين من النّاشئة أو الشّباب بحسب الفئة العمريّة المستهدفة لطرح نتاجهم الأدبي وخلق جيل ثقافي جديد، يسهم في إثراء المشهد الثقافي المحلّي والوطني.

في هذا الإطار، يقول الرّوائي والناّشر إسلام فتحي: “بالتأكيد الورش الإبداعية مفيدة جداً، خاصة للكُتَّاب الشّباب الّذين يضلّون طريقهم في الكتابة، ولا يستطيعون تكوين فكرة أو توظيفها، فالورش تطلعهم على سبل الكتابة والحبكات المتنوّعة وكيفيّة كتابة عمل مشوّق، من خلال إتقان بدايات ونهايات القصّة أو العمل الأدبي. وتُثمر بشكل ملحوظ في إنتاج كُتَّاب شباب جدد يظهرون على السّاحة الأدبيّة بعد ذلك، فأغلب الكُتَّاب الشباب الموجودون حالياً هم نتاج هذه الورش، وهذا في النّهاية هدف ورش الكتابة الإبداعيّة، وهو إنتاج جيل جديد من الأدباء على إطّلاع ومقدرة لصياغة عمل أدبي متكامل”.

في ورشة نصر سامي لكتابة القصّة القصيرة، استجابت المشاركات إيجابيّا للتّدريب، وطغى الأسلوب التّفاعلي عبر النّقاش والحجاج والإقناع، ممّا دلّل على أنّ المتدرّبات لم تكنّ لتتقبّلن المعلومة بطريقة سلبيّة بل على العكس من ذلك فلقد أبدين الجرأة في طرح المواضيع والتّعامل بطريقة نقديّة مع المعلومات والمعارف الّتي قدّمها المدرّب. وأثرى هذا العامل الإنتاج الكتابي للمتدرّبات، فلقد لمستُ وأنا أراجع الكتاب تنوّعا في الطّرح واختلافا في الرّؤى، وثراء في الأساليب البلاغيّة واللّغة. ولقد تمّ التّدريب في جوّ بهيج لم يخلُ من المزحة الخفيفة والنّكتة المفرحة، لقد كانت حقّا ورشة ممتعة وثريّة. وأهمّ سمة لهذه الورشة أنّها لم تقتصر على المعرفة النّظريّة فحسب بل كان الجانب التّطبيقي حاضرا وبقوّة أثناء التّدريب داخل الورشة وخارجها حيث قام المدرّب بإعطاء تكليف لتطبيق المكتسبات بعد وقت الورشة، وذلك بسبب ضيق الوقت. كان لهذا الجانب العملي الأثر البالغ في استخدام المعلومات النّظريّة واستغلالها بطريقة صحيحة في إنتاج نصوص أدبيّة، وعادة ما تُشفع هذه التّدريبات بنقاش إمّا لتثبيت المكتسبات أو لتحسينها واستغلالها بطريقة تساعد على الكتابة الإبداعيّة. أتيحت للمتدرّبات فرصة واسعة لممارسة الكتابة عمليًا أفادت بشكل خاصّ المتدرّبات الّلاتي تمتلكن موهبة الكتابة أو لهنّ تجارب جيّدة فيها، فجعلت تصوّراتهن حول الكتابة أوضح، كما أنّها علّمتهن أساليب الكتابة الّتي لا يعرفنها، من أجل أن تقمن بتحسين أدائهن. وكما يقول الروائي المترجم محمد عبد النبي: “إنّ ورش التّدريب على الكتابة لا تصنع الموهبة، وإنّما تنميها وتطوّرها، وتمكّن المتدرّب من امتلاك أدواته. ومع ذلك، هي أيضاً مفيدة لغير الموهوب، لأنّها تكسر الوهم بداخله، وتخبره بأنّ عليه البحث عن فعل آخر يقوم به غير الكتابة الأدبيّة. فتعليم الكتابة الحقيقي لا يفرض على المتعلّم أيّ شكل أو أسلوب لكتابته، بقدر ما يمنحه الأدوات اللّازمة لاكتشاف صوته الخاص، وتطوير أسلوبه، وامتلاك التّقنيات، بصرف النظر عمّا سينتجه بنفسه بعد امتلاكه لأدواته”.

ورشة أوت 2022 بمدينة جبنيانة كانت سابقة في تونس، ويأتي تفرّدها من أنّها استهدفت فئة عمريّة خاصّة، تلاميذ تتراوح أعمارهم بين 13 و16 سنة. ولأوّل مرّة في تونس يُكتب كتاب بأقلام يافعة ومن منظور يافع، ولكن جودة المنتج تدلّ على أنّ هؤلاء اليافعات هنّ بذرة طيّبة ستنمو في يوم ما وتنضج لتنتج أدبا مختلفا إذا ما شُذّبت وسُقيت بماء الرّعاية، ولا عجب في ذلك فكلّ فكرة عظيمة وفنّ فارق بدأ بحلم، وها قد بدأ الحلم يتحقّق، وكلّ أملنا أن يكبر وينضج ويخلق عالما جميلا. هذه الورشة أتت حلقة من سلسلة ورشات كانت لبنتها الأولى في أرض الأحقاف. ومرّة أخرى يأتي ذلك الغريب نصر سامي. ألم أقل لكم إنّه يُزهر أينما حلّ؟ زرع البذرة الأولى في أرض الأحقاف في درّة الخليج صلالة فأزهرت وأثمرت (26 كتابا). وكوّن عددا من الكتّاب وأنشأ حراكا ثقافيّا إذ نظّم فعاليّات ثقافيّة موازية لورشة كتابة القصّة القصيرة مثل القراءات القصصيّة، والقراءات النّقديّة، والأمسيات الشّعريّة وغيرها… وأقام ورشة مماثلة لليافعين، استهدفت تلاميذ المدرسة السّعيديّة الثّانويّة وأنتجت كتابا بعنوان “قصص من أرض اللّبان”. ولا يزال هذا الحراك الثّقافي متواصلا حتّى بعد رحيله من صلالة.

وجاءت فكرة إقامة ورشة كتابة القصّة القصيرة في تونس في ذات دردشة وكان السّؤال: “لمَ لا نقيم ورشة مماثلة في تونس وبالتّحديد في مدينة جبنيانة؟”. وقد يتساءل البعض لماذا جبنيانة؟ بكلّ بساطة لأنّني أؤمن بطاقة تلك القلعة الغريبة وقدرتها على العطاء رغم كلّ شيء. وقد تكون قاسية معي ولكن ما عساي أن أفعل؟ إنّها الأمّ ولا أملك إلّا أن أكون بنتا بارّة بوالدتها. وكان الحلم أيضا، وجاء صيف 2019 تمّ التّنسيق مع رفيقة الصّبا الأستاذة قمرة النّايلي الّتي لا تتأخّر أبدا في تلبية النّداء، هي أيضا حالمة مثلي ومثل نصر، وأقمنا الورشة الأولى من نوعها وهذه المرّة احتضنتنا جمعيّة آفاق الثّقافيّة ورئيسها المرحوم سمير السّايح، وكالعادة على الرّغم من تواضع الإمكانيّات وأكاد أقول انعدامها أقيمت الورشة. مجموعة من المثقّفين أتوا واجتمعوا وناقشوا وكتبوا ونشروا كتابا محترما عنوانه “أهازيج النّسيان”، نسيان ماذا؟ ألا تذكرون؟ نسيان تلك القلعة الصّامدة في مهبّ الرّيح، خطّ أبناؤها هذه المرّة لتخليد ذكراها. ألا يقولون إنّ التّاريخ يعيد نفسه؟ قد يعيد لها التّاريخ مجدها وتتحاشى ذلك السّقوط من الذّاكرة، فربّ أهزوجة خلّدت أمّة وربّ مخطوطة أحيت ذكرى مكان خال الجميع أنّه اندثر. وبمولد أهازيج النّسيان مات سمير، كتب قصّتين وغادر دون رجعة، كتب وكأنّه يقول لنا: “لا تنسوني يا أصدقاء فأنا هنا معكم وقصصي ستمنحني البقاء”. ذهب سمير السّايح دون أن يودّع أحدا، هكذا غادر على حين غفلة، وقبل أن يرى المولود الذّي ساهم في خلقه. أليس من العجيب أن يكون عنوان القصّة الأولى الّتي كتبها سمير المخاض؟ أتى المولود ورحل الوالد لكنّه لن يسقط من الذّاكرة فقد نقشت ذكراه في أوّل قصّة في كتاب أهازيج النّسيان. نم في سلام صديقي فاسمك محفور في الأهازيج.

نضج الحلم وكبرت الشّجرة وتجذّرت عروقها وامتدّت أغصانها، فاح ريحها في منزل تميم وفي بنزرت وفي السرس. ومازال عبقها تحمله الرّياح إلى أماكن أخرى في تونس. وبينما نحن نحلم بدعم هذه التّجربة الرّائدة، وفي الوقت الّذي لاتزال فيه حكاية ورش الكتابة حلما تارة وقضية غير محسومة تارة أخرى في تونس وفي البلدان العربيّة على حدّ السّواء، يبدو العالم وقد تجاوز هذا الجدل فيما يخص الكتابة الإبداعية، التي غدت علما يُدرّس في المعاهد والجامعات المعتبرة. فمتى ستلتفت المؤسّسات الثّقافيّة لتعميم العمل الثّقافي الهادف وتدعيمه؟ متى سيكبر الحلم؟

 

* كتاب “مداد الكلمات” هو ثمرة تعاون ورشة نصر سامي للقصة القصيرة وجمعية التعاون المدرسي بجبنيانة. لعدد من المؤلفات الشابات أصيلي مدينة جبنيانة وهن: رتاج درويش، ونرمين السوسي، وآمنة مفتاح، ويمن البكوش، وريحان الحضري، ومريم الغضبان. وذلك بفضاء المكتبة العمومية من 31 جولية الى 3 اوت 2023 بتأطير الاستاذ الأديب نصر سامي وبمساعدة الأستاذة دلندة الزغيدي وتنسيق الأستاذة قمرة النايلي ويهدف النشاط الى اكتشاف مواهب الناشئة وصقلها وتثمينها وتنشيط المشهد الثقافي بالجهة وتكلل هذه الورشات بإصدار جماعي.

 

قد يعجبك ايضا
2 تعليقات
  1. خليفة حسونة يقول

    شكر و امتنان للأديبة و المربية دلندة الزغيدي على هذا المقال الذي ينبض حبا و يفوح أملا لبلدتنا جبنيانة و بناتها و أولادها الحالمين و العاملين على اشعاع بلدتهم من خلال ابداعاتهم الأدبية

  2. الطيب الطويلي يقول

    كل التقدير ىهذا العمل الممتاز الذي قمتم به ولكل القائمين عليه وأتوجه بالتحية للأديب نصر سامي الذي حفر في أرض معطاء وأخرج منها الخير والفن والإبداع. فبلادنا تزخر بالطاقات الشابة التي تنتظر من يؤطرها ويشجعها ويدفعها نحو الأفضل. كم من زهرة في بلدنا لم تجد يدا لتسقيها وكم من التبر ظل دفينا لم يجد من ينفض عنه الغبار. برافو صديقتي المربية الفاضلة لك ولكل من معك في هذا المشروع الرائع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.