لا يرتقي النقد إلا بارتقاء الأدب
بين النقد والأدب علاقة طردية؛ إذ أن كلاهما يستمد من الآخر جمالياته! لكن متى يصبح النقد نقدًا فعلياً؟!، يعتمد النقد على ذائقة الناقد أولًا ويصعب الخروج عنها في النقد الحديث، على الرغم من محاولات أغلب النقاد الاستناد إلى قواعد النقد الأكاديمية إلا أن العامل النفسي ينتصر – غالبًا- على منظور العقل.
كان النقد قديمًا مستقلًا عن جمهوره من القراء لأنه يُكتب للعلم والدراسة والتوثيق فقط، واليوم بات الهدف من كتابته مختلفا؛ فالنقد يكتب للتواجد الحتمي للناقد أو المبدع، أو لكسب القوت والشهرة. لذا اختلت موازين النقد؛ طغت عليها الشللية والمصلحة العامة والخاصة، وأصبح الناقد متهمًا بالانحياز عندما يمتدح عملًا فيُقال في الأوساط: كتب عن فلانة لأنه يعشقها أو يتقرب منها/ كتب عن فلان لأنه اشتراه/ كتبت عن فلانه لأنها تغار من نجاحها.
يقول د. هـ. لورانس عن مهنته الروائية: “بما أنني روائي، فإنني أعد نفسي أسمى درجة من القديس والعالم والفيلسوف والشاعر. فالرواية هي كتاب الحياة المشع”. اختلال هذه الموازين النقدية أدى إلى خلل في الكتابة الروائية والقصصية أيضًا؛ أصبحت هواجس النقد تلاحق الكاتب أو الكاتبة فيكتبون بمرآة النقد بدلًا من اطلاق العنان لفطرتهم الإبداعية، كأن تغير مجرى نهر وتحفر له مسارًا أصعب فيفقد النهر نصف مائه!. ويقول الناقد لايونل تريلنيج: “إن الرواية بحث مستمر وميدان بحثها هو العالم الاجتماعي، ومادة تحليلها هي عادات الناس التي تتخذ دليلاً على الاتجاه الذي تسير فيه نفس الإنسان”، ويتحدث ماريو بارغاس يوسا عن الكتابة النقدية، وأهمية الاستفادة من النقد: “يقول رولان بارت في كتابه لذة النص: عندما أقرأ بلذة هذه الجملة، هذه القصة، أو هذه الكلمة، هذا يعني أنها جميعها كتبت بلذة. ويقول في ذات الكتاب: لذتي لا تقوم على وصال جسدي مع من أحب، ولكنها تقوم على وصال جسدي مع ما أكتب ذلك أن وصال المحبوب مبعثه نزوة تورثني متعة، ووصال المكتوب مبعثه شهوة تورثني لذة، وإني لأحس في المتعة زوالاً، وإني لأحس في اللذة دواماً”.
هذه المفاهيم تغيرت واللذة في إقصاء العمل أكبر وأكثر دويًا من لذة استخراج مكامن الجمال فيه، ولا يمكننا نكران حقيقة أن الأدب بدأ بالافتقار في مُجمل إنتاجه. فما قدمه الأدباء مؤخرًا لا يرتقي لمستوى الطبقة القارئة – المنفتحة على العالم- وبالتالي لن يرتقي النقد إلا بارتقاء الأدب.