زينب الشيخ علي-سماورد
تنشأ إيميلي كطفلة بلجيكية مختلفة ضمن تنقلات والدها الدبلوماسي عبر بلدان عديدة (اليابان، الصين، نيويورك، بنغلادش)، في حين تتمتع بشهيّة عظيمة للحياة، متمثلةً في حبّها للطعام والماء والجمال واللغة، والجغرافيا.
تناقش إيميلي معتقداتها وأفكارها الخاصة خلال سردها أحداث طفولتها وانتقالاتها والمشاهد التي تؤثر في مسيرتها كإنسان يتصادم مع ثقافات وشعوب آخرى في وقت مبكر من حياته.
الجائع هُو من يسعى
تبدأ القصة في تلك المدينة التي تتأملها إيميلي عبر الخرائط الواسعة، المدينة يكون فيها تناول الطعام من قبيل الذوق العام واحتراماً للجهد اللاتي يبذلنه ربات البيوت، حيث تبدو الشهيّة عملاً صعباً، ويبدو تقدير المحاولات التي يثيرها المذاق شئ من العبث، في الحقيقة تعتقد إيميلي أن البعض يولد بشهية أصيلة، بينما يولد البعض الآخر بجوع أصيل، وبغض النظر عن المستويات الفردية لا يمكن تجاهل هذا عندما يترك أثره على الشعوب.
كانت تحكي بدء عن الرهافة التي يولدها الجوع لشعب ضئيل المصادر كالصين العظيم وكيف تبدو الألفة الاجتماعية بين أفراده في سؤال بعضهم.. ” هل أكلت؟” على سبيل التحية، على مستوى واسع لنجاة من القلة، لا يسعى الجائع فحسب لتطوير وجباته المحدودة لشيء جيد المذاق، يحاول الجائع لمرتين فأكثر؛ ليصل حد الشبع في كل شيء، بينما يولم فاقدي الشهية على الاكتفاء بلامبالاتهم الأصيلة.
عبّ الجمالِ لا يُفسده
أو هكذا كانت تقول إيميلي، على أن الجُملة جاءت تعبيرية في سياق تأملها وجه والداتها، بيد أنها تحكي عن الشهيّة المفرطة التي تملكها إيميلي في سير حياتها الأولى، بدء من اشتهائه السكاكر، الشوكولا، الكحول، وحتى الماء، على نحو طبي هذه الشهيّة تصنف شكلًا من أشكال البوليميا أو الشره المرضي، على أن هذه الإعراض تكون مصحوبة لمتعاديها بمحاولة التطهير على عكس نوثومب هي تبدو فقط من تلك الفئة النادرة التي تصاب بالشهيّة بدون إنكار، دون سعي للنجاة، فقط سير متواصل نحو محاولة الاكتفاء، ما كان يدفعنا للحديث عن كون هذا عارضا صحيا هي الأوصاف التي تطابق شخصها الجسماني، وأحاديثها عن شهية والداها المروضة، الأمر جيني كما بدا، مصحوبًا بتصرف والدة تحاول الحدّ من تطلع طفلة صغيرة للجوع، ولأخت جميلة تكبرها بأعوام.
سيرة ذاتية لكاتبتها
ثمة سير ذاتية محض، أو سير تروي نفسها بعطر فاضح على أنها سيرة ذاتية ليس إلا، وما عدا إيميلي، لا تسير السير على شكل الرواية بهذه السلاسة دائمًا، بين قصصها الصغيرة وفلسفتها العظيمة للطعام، تمر إيميلي بعدة تنقلات تبعًا لطبيعة عمل والداها كدبلوماسي، بين: اليابان، الصين، أمريكا، بنغلادش، الهند، هذا ما يجعل من طفولتها قصة شيقة، تُسقط إيميلي انطباعاتها وأفكارها بصدق وبسجية حلوة؛ على كل بلد تروزه، تعبر عن اللغات والعادات والأشخاص بعينين لامستين، وشهية مترفة، وبجرأة نادرة تُخبر ” لم أكن جائعة إلى الإنجليزية، تلك اللغة المطبوخة المهلهلة هريسة اللثغات، العلكة الممضوغة المنتقلة من فم إلى فم، … تجهل النيء، المشوي، المقلي، المطبوخ على البخار: لا تعرف إلا المسلوق. يكاد اللفظ يكون تامًا فيها، كما يزدر أناس منهوكون طعام الوجبة صامتين. عصيدة غير متمدّنة”
الإنركسيا: شكل ردة الفعل
تفكر إيميلي بإيدلوجيا الطعام حتى عندما تفكر، ” يتكون الدماغ أساسا من الدهن. أي أن أنبل خواطر البشر تولد مغمسة بالدهن “
بيد أنها ولأسباب – تبدو ظاهرياً – ثقافية فحسب، أو نتيجة التنقل من بلد لآخر، تفقد شهيتها للطعام، وتبدأ في مواصلة شهيتها بطريقة آخرى، تبدأ القراءة بنهم وتوجهه جوعها نحو مصب آخر.
الجدير بالذكر أن هذا السلوك جاء مترافقا مع وقت بلوغ إيميلي، كثير من تلك الحالات التي تعاني من البوليميا، تنجو بفضل تغير الهرمونات الجسدية بشكل تلقائي في رحلة الانتقال من الطفولة للمراهقة.
في النهاية، تعتقد إيميلي بكونها إلهًا، حتى أنها تقول: “إذا افترضنا أنني كون ما، فإن وجودي مستمد من هذه القوة الوحيدة: الجوع “، هذا ما أخذها للنهاية، وهذا ما تركتها تكتب جزء لاحقًا رواية ثانية بعنوان ” ذهول ورعدة “، تعود فيها لنقطة البداية في اليابان، بلد غربتها الأول، لتحكي فيها عن كيف يمكن لإنسان يعتقد بكونه إلهًا أن يصل بطريقة ما بعد بلوغه إلى أسوأ ما يمكن أن يكون.