البدون في الشعر (علي غونفار نموذجاً)

0 965

 

ماذا يعني أن تكون بلا جنسية في بلدك  أو أن تنفى فيها أو تجبر على التسكع عبر حدود الوهم فتكون المطارات مقاهي انتظارك واللغة ابتسامة مقاومتك السلمية ومضاداتك الحيوية للمسير والمحافظة على اتزانك وتصبح العلاقات ” البدون” صلة قربى.

علي غونفار لم تسلب جنسيته بقدر ما سلبت نظرته لأمته وحلمه في تجليها ولعله اختار حرية وشتات ألآم المنافي في فترة من حياته قبل أن تختاره. حاملا قلق الفراق ولا أمان الأمكنة يعبره الآخرون البدون والآخرون المنفيون اختيارا وقهرا برغم اختلاف الأمكنة والأزمنة وكأنه يؤسس لصلة مبنية على فهم الألم المشترك رغم اختلاف تجلياته ويعزز روابط المعاناة بلغة التأمل في الآخر, الإحساس به والوعي بالأثر النفسي والرؤية الضبابية للمستقبل والحاجة إلى قفزات إيمانية ومتجاوزة للطرق اليسيرة السهلة المنطقية والممتنعة عنه في ذات الوقت.

ذلك  الذي يجعل لقصيدة حب عاطفية رومانسية الكلمات مشغولة بالحب والحنين أثرا فتاكا حين يتشكل بتلقائية خطوات شاعر يعبر أزقة ذاته.

هذه القصيدة المترجمة بين يديكم كتبت في باريس – 1936 حين كان يمضي مبتعدا عن  كل شيء وكل مكان. ونشرت بديوانه (أغاني المنفى).

Fyhman Duran -Turkey
Fyhman Duran -Turkey

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تغير في عمق شرنقتي

(أغنية حب )

 

في قلبي الذي ترتديه وليس معي

أسير هابطا بشوارع الخوف في المدينة

متحاشيا الحشود,

ونوافذ متاجر بغداد بجادة المقاهي

تهبط تجاهي.

كنتَ النار المتدفقة بعروقي.

الالمَ والعاطفة المدفونة بعظامي

في حياتي المجَففة.

ثم اغنية من الأخشاب يجب أن أغنيها

أيا يكن كانت أغنية من أحجار,

أغنية أحجار تقطر

على شفاهي

أعرف علم الوداع

مدرك أنني لن أنتمي لأي مكان بعد الآن

وأنا أغادر بلدتي

مشيرا تجاه الفجر وهو ينكسر حين يزحف الديك

وأن كل فرع أمسك به

سيكون مليئا بعدم الأمان.

ال” بدون ” وشم لا يمحى الآن

تحت جلد أوسيب ماندلشتم*

ولا ثمة طريقة للخلاص منه.

ولا حتى وطنه يستطيع إنقاذه من عزلته

أو المرأة التي يحب

أو الأصدقاء

والأبناء

الـ” بدون ” وشم لا يمحى الآن

ترك علامة في أعماق روحه

وحده بي داو** وأنا نعرف

ألأم العيش في منفاه الخاص

نتسلل كلانا من الحجرة

كظلال تهرب من صندوق موسيقى

باختلاف بسيط

هو يحاول سرقة ضوئه من الشمس

أما أنا فأحصل على الضوء من قلبي

سنوات مرَّتْ- لا أتذكر عددها

أذكر فقط هيئة

المرأة التي أحببت

الآن اختبر حركة في أعماق شرنقتي

لكنني بعيد جدا عن أجنحة الفراشات

أعلم أنني سأتحول إلى سلمندر

ختام تطوري

بداخلي أنت ولكنك لست معي

أسير على  ممشى برج الجدي

بجانب طرق السرطان الثابتة.

أطفالُ قلبي

مباركةٌ بعاطفة لا تنتهي

..

 

* شاعر روسي من أصل بولندي  يهودي اعتنق الميثودية ليكمل داسته الجامعية واعتقل في عهد ستالين بتهمة التحريض على الثورة وأرسل  إلى منفاه الداخلي حيث مات فيه بسبب الجوع والبرد.

** الاسم المستعار لشاعر صيني اسمه الحقيقي (زاو زينكاي ) تنقل في المنافي الاختيارية معارضا فكلما انتهت فترة إقامته ككاتب زائر من دولة هرب إلى دولة أخرى. يعد حاليا من رموز الشعر الصيني ومن المؤثرين فيه. رُشح لجائزة نوبل وحصد العديد من الجوائز الأدبية. يسكن حاليا في هونج كونك بعد أن حصل على عفو من دولة الصين.

علي غونفار
شاعر تركي معاصر ولد بأزمير وحرر عدة مجلات أدبية، طبع 5 دواوين شعرية وكتاب مقالات كما ترجمت نصوصه إلى عدة لغات ونشرت في دوريات أدبية معروفة
 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.