سنة صينية جديدة من الطيران  فوق درب التبانة – د. تازمين تساي

0 537

اعتدت منذ سنوات طويلة عند حلول السنة الصينية الجديدة أخذ ابنتي الصغيرة معي والعودة إلى مكان مولدنا. في العام الماضي كان كل شيء كما هو عدا اختلاف بسيط. لقد توفي أبواي كلاهما, ولأول مرة أحتفل مع أخي بلا والدين وتحتفل ابنتي الصغيرة بدون جديها. ما تزال الزهور كما هي بينما تغيرت الناس عبر هذه السنوات. عندما وصلت منزلي القديم مع عائلتي. استقبلنا أخي. نظرنا إلى بعضنا البعض ولكننا لم نقل الكثير كنا ندرك أن ثمة شيء ما في قلوبنا. نادته ابنتي الصغيرة بصوت عالي ” عمي ياو” مما أذاب صلادة وجه أخي ورسم ابتسامة عليه كما يجب أن تكون عليه السنة الجديدة. بكل رقة أمسك برأس ابنة أخيه :” أميرتي الصغيرة سيأخذك عمك لتري الزهور المتفتحة لتوها ” تبعت طفلتي أخي ممسكة بيده وهي تقفز. كانت المنطقة حول البيت القديم. وعلى جانب الحقل مليئة بأزهار الكتان , رأتْ الصغيرة الأزهار الصفراء ولاحقت الفراشات البيضاء دون ذرة حزن. في المساء وبعد تناولنا عشاء طيبا. كانت سعادة طفلتي تزداد وكأن لا شيء يمكنها أن يقلل من بهجتها , ما زالت تريد رؤية الزهور. أخذتها من جديد إليها وكنت أفكر في نفسي : هذه الصغيرة تحب الزهور كثيرا ولابد أنها ستكون رقيقة العاطفة حين تكبر. بدأ  الليل بإسدال ستره ولن ترى الزهور لابد وأن ذلك سيزعجها. بدا الحقل يتلاشى بأكمله في ظلمة الليل والفراشات المتراقصة غادرته كلها. احتضنتُ الصغيرة وجلست على حافة الحقل آسفا. لم أكن أعرف كيف سأفسر ذلك الغياب. ودون أن أتوقع رفعتْ طفلتي يدها مشيرة إلى السماء وهتفت بتعجب : بابا, نجوم كثيرة . نجوم كثيرة !أليس كذلك؟

كانت السماء مرصعة بالنجوم وممتلئة بها. استلقيت وأنا أنظر إلى السماء وأعجبني شعور غريب نبع من أعماق قلبي فجأة. ياااه, كم سنة مرت؟ كيف نسيت السماء الكبيرة ؟ كم ليلة ثقيلة ؟ وطرق مقمرة عدت بها متأخرا إلى البيت ؟ كم حديث سري عن عذوبة الحب؟ وهي وحدها كانت معي؟ صديقتي القديمة ؟ يا لشدة أسفي!  ربتت على رأس ابنتي المستلقية على حضني وهي تنظر إلى بحر النجوم الشاسع بعينيها الكبيرتين

ثمة أضواء تلتمع  في كل مكان تستطيع النظر إليه, أخشى أن اعتذاري وندمي يحمل جسدي إلى ذلك الجزء من العدمية. وعلى عكس توقعي كانت أميرتي الصغيرة هادئة كحشرة زيزيات صامتة ومنغمسة في المشهد. ثم سألتني فجأة ” أبي أي نجمة هي جدي وأيها جدتي ؟ ” لم أستطع الإجابة ولكنني شعرت برعشة بسيطة في جسدي , حاولت تمالك نفسي وتهدئتها: ” أبوك يبحث عنهما أيضا .لابد أن تخبري والدك إن رأيتهما أولا. ردت طفلتي برقة: نحن نبحث عن نجمتين قريبتين من بعضهما البعض. جدي وبكل تأكيد سيمسك كعادته بيد جدتي ولن يتركها وحدها. هززت رأسي موافقا, دون أن استطيع احتمال بهجتي. اعتقدت أنها ذكريات طواها النسيان . واتضح لي أنه يجب ألا ننسى من نحب قلت لها : لديك قلب رقيق أليس كذلك ؟ ولذلك لا عجب أن تحبي الزهور أيضا.

تلك الليلة, قضية مع طفلتي ذات الستة أعوام ليلة سنة جديدة رائعة ونحن نحلق فوق درب التبانة. وحين احتضنتها وعدتُ بها إلى المنزل لم يعلم أحد لماذا كانت نائمة بعمق ومستغرقة بلطف في أحلامها.

د. تزيمن أيتون تساي
ولد في تايوان, دكتور مساعد في جامعة آسيا بذات المدينة, حاصل على دكتوراه في الهندسة الكيميائية ودرجتي ماجستير في الكيمياء والرياضيات. هو روائي, كاتب مقالات نشر أكثر من 500 مقال  وشاعر دولي ترجمت نصوصه ونشرت بأكثر من 40 دولة حصد عدة جوائز أدبية, تأمل الطبيعة وأنسنتها جزء مهم في شعره حد التشاكل, وكأن تأملها هو تأمل للذات البشرية ورمزيتها.
قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.