بعض ما في القصة للايكه مارسمان

مقتطفات من مجموعة "سيستغرق الفحص التالي خمس دقائق"

0 340

لايكه مارسمان – هولندا

ترجمة: مهدي النفري- هولندا *

 

-١-

قصتي هي مجرد واحدة من القصص. بدأت أؤمن بنهايتها السعيدة ببطء وحذر شديدين. بعد مرحلة التشخيص الصعبة، كنت محظوظة بما يكفي لإجراء عملية جراحية من قبل جراح رائع، في أحد أدقِّ المستشفيات تخصصًا في البلاد.

مع مزيد من الحظ، سيعوض هذا الكتيب النقص الذي نشأ في مدخرات التقاعد الخاصة بي؛ لكن ليست كل قصة عن السرطان تنتهي بشكل جيد. يموت كل عام في هولندا حوالي 45 ألف شخص بسبب المرض. لا أعرف عدد الأشخاص الناجين من السرطان، الذين يعانون من شكاوى جسدية أو نفسية دائمة، ولا كمْ عدد الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في الحصول على تأمين (الرهن العقاري)، أو التأمين ضد العجز بعد مرضهم. ما أعرفه هو أن معاناة الآخرين ليست شيئًا يُحكم عليه أبدًا، وأن السؤال الصحيح لطرحه على شخص يكافح، سواء كان ذلك بسبب المرض أو الفقر أو الفرار من الحرب، ليس ما الذي سينتهي إليه الأمر؟ لكن كيف حالك؟

 

-٢-

ذات مرة، كتبتُ أطروحة تخرج عن الخوف من الموت في أعمال هايدجر وسارتر؛ حول كيف نكون وجهًا لوجه مع الموت. ندرك أخيرًا أنه لا أحد قادر على أن يموت من أجلنا؛ وبالتالي لا أحد يستطيع أن يعيش من أجلنا. ومن ذلك يمكننا أخيرًا أن نخرج أنفسنا بعيدًا عن الحشد لنعيش الحياة التي تناسبنا حَقًّا. اعتقدت أنها كانت فكرة جيدة. لم أكن أعلم أنه في الواقع من المخيف أن تسلك طريقًا مختلفًا إذا سبقته مواجهة مع الموت، لكني أتغير للأفضل. كما لو أن الأيدي العملاقة تعجنني وتعطيني شكلاً جديدًا ومحسّنًا، أكثر سلاسة وكثافة.

 

-٣-

هناك عدة أسباب تجعل القصائد في هذا الكتيب تدور حول السرطان والسياسة، وليس السرطان فقط. بادئ ذي بدء، كنت بحاجة إلى الكتابة عن السياسة حتى لا يبتلعني السرطان كليًّا. استمراري بمزاولة ما كنت أفعله قبل تشخيصي يساعدني في عملية الشفاء. بغض النظر عن مقدار الدعم الذي تحصل عليه من بيئتك، فإن السرطان (مثله مثل جميع الأمراض الأخرى) هو تجربة فريدة حيث خوف المرء من الموت هو من أميز التجارب فردانية. الوحدة التي جربتها لا تطاق، ولكن كان من السهل التخلص منها من خلال ممارسة النقد الاجتماعي.

 

-٤-

 

اتصلت بوالدي وبسيمونا كي يأتيا إليّ في أقرب وقت ممكن. أستلقي في حالة ذهول ورأسي على مكتب طبيب الأعصاب.

أشعر ببرودة سطح المكتب تلامس خدي.

يشرح مساعد الطبيب ما يجب القيام به بعد ذلك؛ إذ لا يمكنهم علاج الورم في مستشفى السيدة العذراء (OLVG)، لذلك حددوا اليوم التالي موعدًا لي في المركز الطبي الأكاديمي (AMC)، لا جدوى من احتواءه فقد استعمر جزءًا كبيرًا من العضلات. هذه ليست علامة جيدة لكن لا يمكنهم إخباري بأي شيء عن العلاج والتشخيص هنا. هل أحتضر؟ ليس لديهم فكرة. يقوم طبيب الأعصاب بالإشارة على صور التصوير بالرنين المغناطيسي، مرة أخرى تظهر كرة بيضاء كبيرة بداخلها عدة كرات صغيرة. إنه يذكرني بالقرنبيط. لم أعد أستطيع الجلوس بشكل مستقيم، ولا أعرف ما إذا كان ذلك بسبب الورم أو الصدمة.

ماذا بعد الآن؟ ليس لدي أي فكرة عن ماذا بعد.

 

-٥-

في أوقات أخرى

يغمرني اليأس بأسوأ أنواعه

من النوع الذي يتسم بنقص الكلمات

اليأس الذي لا يمكن وصفه إلا بكلمة يأس.

 

*المترجم: مهدي النفري شاعر ومترجم ورسام عراقي مقيم في هولندا، يكتب بالعربية والهولندية ويترجم لهما ومنها، صدر له عدة دوواين شعرية منها: تلك الأسئلة دونتها الأحذية والشوارع، لا تأمن الدَّهْشَة وأنت ضَرير، المطر أيضًا غابة، كلب أخرس، ريح تتظاهر بالنوم، عصفور النهر، لهاث قطار ينام فيه غرقى. في الترجمة صدر له مؤخرًا من سأكون أشعار وشذرات للفيلسوف الإغريقي أمبيدوكلس وقبلها مختارات من الأدب الهولندي، بعد أن قدم سابقًا كتابًا لمختارات من الشعر الهولندي.

 

 

Lieke Marsman
شاعرة وروائية هولندية.

لها عدة إصدارات، اختيرت كشاعرة للبلاط الملكي.

أصيبت بمرض السرطان، وكتبت خلال مرضها مجموعتها الأخيرة بعنوان (سيستغرق الفحص التالي خمس دقائق)، وفور صدورها بيعت بشكل فاق كل التوقعات.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.