البصرة الحرام، ضدية الامكنة و التماثيل .. الظمأ المقبل

ورشة فن - فوتوغراف

0 787

صفاء خلف – العراق-سمارد

فوتوغراف : عبد الرسول الجابري

سراي القنصلية البريطانية العتيد على كورنيش شط العرب، يروي حكاية غروب مدينة تلتحف الرمل والماء. فالسراي، الذي بني مطلع القرن الماضي، تمرحل ما بين مقرٍ للقنصلية البريطانية، فمتحف للتاريخ الطبيعي، فمقرٍ تراثيٍّ لرئاسة جامعة البصرة، ليقطع رحلة تحولاته عبر قرن كامل بمأوى بائس مهدوم لعوائل مشردة تنام على وقع سيمفونية الكلاب السائبة.

المكانات في البصرة عوالم مضطربة، متحركة، سريعة الهرم والانزواء. ربما كان هناك يوماً على شط العشار الذي يخترق قلب المدينة من اتجاه مقام الأمير (تيمناً بعلي بن موسى الرضا)، حتى محلة (السيمر) في البصرة القديمة، قصراً ناعماً وأنيقاً انتهى به الحال فرن خبز حجري، وشريعة النهر مُسخت إلى محمية طبيعية للأزبال.

تحولٌ لا حلول. تماه مرعب وانزياح كافر. ويتمم المشهد المأساوي. تلك العلاقة السرية المحمومة بالنفي والتضاد بين تماثيل المدينة وأمكنتها.

عبر صف طويل، على أرصفة تجمعت الأزبال تحت أفيائها. يتقرفص العتالون والعاطلون عن العمل والعمال الأجراء. يطالعون بؤسهم اليومي برضا دون قناعة في “ساحة أم  البروم”.

ويهيمن على المشهد السيزيفي اليومي، الباعة الجوالون والكشك العاري (لناصر أبو الجرايد)،  الذي تغفو عنده بأمان (محاسن) شبح أنثى تدلى رمانها ذات يوم بأنتظار فارس، تزوق وجهها المتغضن بمساحيق رخيصة، كرخص الدم العراقي المتصدر لمانشيتات صحف “ناصر” الذي يتجمع عنده مثقفو المدينة، متصلون بخيط سري مع صباغي الأحذية، وسائقي السيارات والمشردين، مطأطئين روؤسهم خشية أن تنهال عليهم مطرقة تمثال العامل بوجهه الصنمي وميلانة المعتوه، المطرقة التي تهاوت أمام صلافتها سينما الكرنك العريقة لتطمس معها الوجوه الحالمة والعوالم الخرافية.

فيما يقف الجنوبي المسلول (بدر شاكر السياب) محتجاً على صمت الشط، دافعاً بوجهه الشمعي صوب المدينة، عله يقتنص ميدوزا الذي أفترس قلبها بالضغينة، رافعاً يده الكهلة، مترفعاً عن غواية دنانير البنك المركزي المحتشد أمامه.

عملاق الشط (جسر بدائي متعب) يختزل ضفتي شط العرب إلى جنة النخل المحترق (التنومة)، التي استحالت الى مزرعة ألغام، فطارت أحلام أولاد المدينة، وصباياها كما طارت رؤوس النخل بين الرصاصات المتنافرة والجراحات المفتوحة والأماني المتخندقة في حجابات العزلة.

فم الموت فاغر، ساحة الجبهات لا تنتهي في هذه الأرض. ففي “ساحة سعد بن أبي وقاص” يشمخ تمثال النصر الطروادي (تمثال الجندي والحوت) وهو يشيع الجنود الطيبين بعيونهم الشائهة نحو كل الاشياء والعناوين والوجوه والباصات والبيوت، كمن يختزن بذاكرته طريق الرجوع إلى الأمهات مقمطين براية النحر المجاني.

الأمهات من “ساحة سعد” يودعن صغارهن في كل حروب الوطن إلى جبهات النحر. ومن هنا أيضاً يشيّع النازفون مراراتهم إلى وادي السلام في النجف، أو مقبرة الحسن البصري في بلدة الزبير.

طواف خجل في مدينة اتشحت بالحزن وسطرت حكاويها على باب الأمير المغدور. فباب مقامه يلوح للغارقين في الأسى: هلموا، أفتح جعبة أسراركم، أطهركم من خطاياكم، وقبالته أسد الكلس البابلي الأبيض، فحل المعاشرة العصي، يربض على جسد المدينة المتحجر بما تبقى من جسده بعد أن طالته هاونات “المجاهدين” ذات ليلة.

في ما المارة غير آبهين بجسده المنقوص، وهم ينسلون إلى (وناسة) شارع الوطن حيث دارة السينمات الافلة.

مقام الامير =====>أسد بابل=====>شارع الوطن

تضاد في العلاقة ، كل منهم يتحفظ على هيمنة وجوده.

وهناك، قبالة مديرية التقاعد العامة، ينشر صياد المآسي الليلية شبكة وهم. يغازل بها حوريات الشط الجميلات اللواتي نخر العطش أنوثتهن الرائقة. صياد المآسي الليلية بقبضة تماجن الهواء، يعلن أفول مملكة الماء والنخل. فيأمر “الفاشيون الجدد” إزالته.

البصرة، وكأنها مقبلة على سنوات عجاف من عطش مر، وانحسار الماء عنها، تتوزع في شوارع المدينة، قِرب ماء مزركشة كقوس قزح بعد مطر. يا ترى؛ أتراها قِرب الماء إشارة لعطش مقبل؟!!.

https://samaward.net/wp-content/uploads/2019/08/نهر-عشار.jpg
https://samaward.net/wp-content/uploads/2019/08/أسد-بابل.jpg
https://samaward.net/wp-content/uploads/2019/08/الجندي-والحوت.jpg
https://samaward.net/wp-content/uploads/2019/08/يد-السياب.jpg
قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.