أحمد سهيل – السعودية
عندما تحدث أستاذ الديكور السينمائي أنسي أبو سيف عن المفكر الثقافي والسينمائي الراحل شادي عبد السلام استهل حديثه قائلاً: “أخناتون” الشخصية الثرية، الدرامية والفلسفية التي غيرت وجه التاريخ، كيف لا تمس هذه الشخصية شخصية شادي عبد السلام، هذا المتعبد في صومعته، أخناتون وشادي عبد السلام شخصيتان التقتا”.
رحل شادي عبد السلام وترك للسينما المصرية إرثًا فكريًا صَعُب على من “امتهنوا” السينما من بعده أن يحافظوا عليه، شادي أو الأستاذ شادي عبد السلام العبقري، الذي عرفه العالم بشموليته وبسهله الممتنع وفنه الراقي الأصيل، كان قد كثرت عن بداياته الروايات. لعل أصدقها أنه ابتدأ قريباً من رائد الواقعية “صلاح أبو سيف”، فعمل مدوناً لزمن المشاهد في “الفتوة” ومساعداً للمهندس الفني رمسيس واصف في 1957 م، وفي نفس العام، أيضًا قيل أنه عمل مع أنطوان بوليزويس في ديكور “الوسادة الخالية”.
جليّةُ الأمر أن شادي عبد السلام بدأ مختلفاً، فكتب “المومياء”؛ مما جعل المخرج صلاح أبو سيف يتحدث عنه كما لو كان يتحدث عن أحد أفلامه، مقاطعًا شادي عبد السلام نفسه في لقائهما التلفزيوني “لا مافيش شك، أنا لما شفت الصور الفوتوغرافيا حسيت أنه فيه لون جديد من السينما، يعني لا مش السينما اللي احنا بنقدمها بقالنا خمسين سنة. وفي قرطاج لما كنا فرحانين بسؤال الناس عن سبب غياب المومياء، وفعلًا، أن المومياء في الحضور كان متأخر (زي عادتنا دايماً)”. الجدير بالذكر، أن “المومياء” لم تكن لتتخطى كونها مجرد أفكار على ورق لولا تواجد العالمي الإيطالي روبيرتو روسيلليني حينها في مصر، لإخراج فيلمه عن الحضارة؛ فبعد انتهاء شادي عبد السلام من كتابة السيناريو، أخذ يبحث عن طريقة لتنفيذه، حينها كان يعمل مع روسيلليني، فعرض عليه السيناريو، أعجب به، وأخذه فورًا إلى وزير الثقافة المصري ليدخل العمل ضمن مشاريع مؤسسة السينما.
عندما سُأل شادي عبد السلام عن أسلوبه، قال إنه عندما كان يشتغل، لم يكن يفرض أسلوباً معين في عمله، ولكنه كان يشتغل بإحساسه منطلقاً، فالشّادي كان معماريًا بامتياز وفني ديكور ومصورًا قبل كل شيء، ورسامًا وكاتبًا ومخرجًا سينمائي، يفكر دائمًا بحسرة المحتوى وضياع الهوية. تلك القضية التي أفنى جُلّ شبابه في سبيلها. يتحدث، في مكتبة الإسكندرية، الفنان محمد صبحي عن شادي عبد السلام، وذكريات الحريق الذي التهم دار الاوبرا الملكية في ذلك الوقت، وكيف أبدى يأسه وحزنه عندما كانا معاً ذات ليلة، وقال” تيجي يا محمد ناخذ الكاميرا وننزل نصور دار الأوبرا، قلت له أستاذ شادي مش انتا صورتها؛ قال لي لا، نصور جمالها بعد ما اتحرقت” وكان قصده التخليد والتوثيق. كان قد نقل ما كانت عليه دار الأوبرا الخديوية، ووثق احتراقها، وحسرته عليها؛ ثم صورها بعينيه الجميلتين قبل آلته الفوتوغرافية بعد أن ظلت منارة ثقافية لمدة تزيد عن قرن من الزمان.
إن مكانة الثقافة عند شادي عبد السلام تتخطى مكانة السينما في عقله وقلبه؛ فالهوية والحفاظ عليها أمر صعب وحمل ثقيل، فكر ودلائل على عظمة هذا الرجل الهادئ جدًا. لنفكر قليلاً… من وضع السينما المصرية على خارطة السينما العالمية، عاش حتى آخر لحظات حياته وهمّه الهوية الثقافية خائفًا من انسلاخ المصريين عنها؛ فهل حافظنا نحن على ما أفنى حياته من أجله أمثال شادي عبد السلام؟ هل نعلم حقاً من هو شادي عبد السلام؟ هو من رفض كل العروض والمغريات التي انهالت عليه بعد فيلم المومياء؛ لأن شادي ليس مخرجًا عاديًا. هو من رفض كل الدعم الخارجي لإنتاج حلمه الأخير “أخناتون”؛ وذلك لرغبته بأن يبقى العمل مصريًا خالصًا؛ لا يوجد في تتره اسم أجنبي. هو من استغرق في تصوير مشهد واحد ثمانية وعشرون يومًا بعد كل غروب، في كل يوم لقطة، حتى لا يلجأ إلى استخدام اضاءة صناعية، فيُأخذ من المشهد طبيعته. هذا هو شادي عبد السلام، “الفرعون الأخير”.
شادي عبد السلام (1930-1986)
نال العديد من الجوائز العالمية أهمها جائزة سادول
* تم الاستعانة بڤيديو لقاء الفنان محمد صبحي بمكتبة الإسكندرية ومقتطفات من كتاب “تعال إلى حيث النكهة” للناقد الفني أ. حسن حداد ولقاء تلفزيوني قديم خاص بماسبيرو زمان لإثراء هذه المقالة.