عباس الحايك – السعودية
الكتابة عن مهرجان ليالي مسرح الصحراء الدولية بأدرار في الجزائر والذي كنت واحدا من لجنة تحكيم عروض الصالة فيه، ليست كالكتابة عن أي مهرجان مسرحي آخر، فقد تفرد عن غيره من المهرجانات المسرحية العديدة التي تتوزع في مدن عربية مختلفة، التفرد ليس في مستوى عروضه ولا تنوعها، وليس في شقه المسرحي، ولكنه تفرد بجمهوره، وبطاقم تنظيمه، وباهتمام تفصيلي مباشر من والي الولاية السيد العربي بهلول الذي كان يحضر عروضه وفعالياته شخصيا، ومن الاحتضان الكبير الذي حظي به المهرجان وضيوفه من أهل أدرار، الولاية التي تقع جنوب الجزائر ويفصلها عن العاصمة 1200 كلم، وتميل لكونها ولاية صحراوية. فتضاريس الولاية قد لا تكون ظاهريا صالحة لاحتضان مهرجان مسرحي دولي، لكن الجهد الذي بذله من اسميناه جميعا نحن الحاضرون (المناضل) الفنان المسرحي عقباوي الشيخ محافظ المهرجان ورئيس فرقة فرسان الركح المسرحية، ليكون المستحيل ممكنا، ولتكون أدرار بيئة صالحة لمسرح عالمي، ومحتضنا لعروض عالمية جاءت من كل مكان.
ربما كان ضربا من الجنون ما كان يفكر فيه عقباوي الشيخ، فكيف يمكنه أن يحقق هذا الحلم وكل أوطاننا العربية بما فيهم الجزائر تركز على المراكز وتهمل الأطراف، لكن إيمانه تجاوز كل خيال، وإصراره على تحقيق حلمه كان مثارا للإعجاب والتقدير، عند ضيوف المهرجان وعند الأهالي أيضا الذين وجدوا أنفسهم محاطين بكرنفال فني حقيقي.
كان للمهرجان مساران، مسار عروض الصالة ومسار آخر لعروض الفضاء المفتوح، حيث استضاف المسرح الجهوي بأدرار عروض الصالة من مختلف بلدان العالم، فقد شاهد جمهور أدرار بكل فرح وشغف ودهشة العروض التالية:
- أوغيست (August) من إنتاج فرقة مالاديب للمسرح-بودابست المجر
- الخيشة والخياشة – إخراج فارس عبد الكريم – الجمعية الثقافية قطار الفن (فرقة ملائكة الخشبة) – الجزائر
- المونودراما الايطالية التي قدمها باولو افانتانيو
- أورجا أوتيل – إخراج محمد طارق – فرقة تجارب ثقافة الجيزة– مصر
- مونودراما لالونا – إخراج هشام بوسهلة – فرقة موزاييك – الجزائر
- هنا ولهية – إخراج فخر الدين لونيس – فرقة جمعية محفوظ طواهري للفنون الدرامية مليانة بالشراكة مع دار الثقافة الأمير عبد القادر عين الدفلى – الجزائر
- جفاف – إخراج رقاني مبارك – تعاونية الأمل للثقافة وفنون العرض بأدرار – الجزائر
- كيف تصنع بيضة مسلوقة – إخراج أسامة زايد – فرقة البن للفنون المسرحية والأدائية – سلطنة عمان
- تذكرة الى قرطبة – إخراج فيصل بوناصر لجمعية رؤيا لفنون العرض المسرحي – الجزائر
- مونودراما ابصم باسم الله – إخراج وتمثيل مصطفى الهلالي – العراق
- خط الرمل – المدرسة الوطنية للسينما والمسرح- الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية
- الشاطئ الآخر – إخراج جمال أبو القمصان – غزة – فلسطين
بينما توزعت عروض الفضاء المفتوح على عدد من المواقع المختارة التي وجدها صناع العروض المسرحية فضاءً ملائما لعرض مسرحياتهم، ورغم بعد المسافات إلا أن هذه العروض حظيت أيضا بالمشاهدة والتنافس على جوائز المهرجان، حيث تنافست العروض التالية على الجوائز:
- ريق الماء – إخراج صلاح الدين بن مهدي لجمعية نوميديا الثقافية لولاية برج بوعريريج – الجزائر – وعرضت في ساحة توفاغي في تمنطيط
- مقدمة الابتسامة- وهو عرض مشترك ألماني ياباني – وعرض في قصر تماسخت
- مجنون تيشرافين – إخراج قائدي أحمد هشام لفرقة بودرقة المسرح – الجزائر والذي قدم لجمهوره في مغارة تماسخت وهي تجربة جديدة على مستوى المسرح الجزائري
- حلم غير مثقوب – للمخرج هارون الكيلاني لجمعيّة الأقواس لولاية المدية – الجزائر وعرض في مدخل قصر تماسخت
- إيجاد بيت – للمخرج داني دينيس من الدينمارك والذي عرضه في تمنطيط
- ريق الشيطان للمخرج عبد القادر عزوز لفرقة صرخة الركح – الجزائر والتي عرضت في أحد الأضرحة في تمنطيط
وبعيدا عن العروض وتباين مستواها وما قدمته من تجارب ومباحث مسرحية خاصة في عروض الفضاء المفتوح، وبعيدا عن المنافسة أيضا وما خرجت به لجنتا التحكيم من نتائج، يمكن الوقوف على استثنائية الحدث، فالدهشة التي اعترتنا كضيوف ونحن في حفل الختام أمام الحضور الشعبي لأهالي أدرار، حيث اختار منظمو المهرجان وعلى رأسهم والي الولاية ساحة توات وهي الساحة الرئيسية للولاية، الساحة الشعبية التي يجتمع فيها الأهالي كل ليلة، وهذا الاختيار كان صائبا رغم استغرابنا منه، حيث كان الظن أن يعود حفل الختام إلى قاعة المسرح الجهوي كما اعتدنا في كل المهرجانات العربية، حيث يبقى الختام محصورا على المشاركين والضيوف مع غياب للجمهور، لكن في حالة هذا المهرجان كان الجمهور هو الحاضر الأبرز، فقد ذهب المسرح للناس ولم ينتظر أن يأتي الناس إليه، هنا المعادلة مغايرة تماما، كما كان الافتتاح في المركب الرياضي (مجمع رياضي) حيث حضر تراث المنطقة وفولكلورها ورقصاتها الشعبية، حضر قراء القرآن الذين كرموا في الافتتاح، حضرت الحشود لتشاهد وتتابع هذا الحدث الذي تعدى كونه مهرجانا مسرحيا.
راهن منظمو المهرجان على شعبية المسرح بين ناس أدرار، وربحوا الرهان، فالمشاركة لم تقتصر على الحضور وامتلاء قاعة المسرح أو مساحات الفضاء المفتوح، بل أيضا تعدته للمشاركة الضخمة للمتطوعين من كل أطياف مجتمع أدرار، فقد شارك جيل شاب في تسيير المهرجان، في كل اللجان العاملة، فتحوا أذرعهم للجميع، فكانت كل البلاد مضافة للقادمين من خارج الولاية. واقولها بشكل شخصي، لم أشعر بغربة أبدا وأنا في أدرار، فالبساطة كانت هي السائدة، والألفة التي تسللت لكل المشاركين والمتطوعين، حتى تحولنا لكتلة حب واحدة، لدرجة أننا عدنا واتصلنا ببعضنا البعض للاطمئنان على بعضنا. ثمة حميمية خلقتها أدرار فينا جميعا، قد لا تخلقها أي مدينة أخرى. وأي مهرجان آخر.
مشاهدات عديدة أكدت فرادة هذا المهرجان، وأن كل من جاء مشاركاً، كان يسعى لنجاح الحدث قبل اقتناص جائزة، فما أثبت الأمر، هو وقوف المشاركين والمتنافسين إذا صح التعبير جميعا لإنجاح عرض مسرحي أخفق تقنيا، حتى لجنة التحكيم وبأبوية طافحة، أصروا على أن يعطى للعرض فرصته، فصار عرضا عراقيا مصريا عمانيا جزائريا، بل هو عرض عربي وضع كل واحد من المشاركين لمسته فيه، وحتى في ختام العرض توافد الجمهور، أولئك الذين جاءوا من بيوت أدرار الطينية البسيطة ليصعدوا على الخشبة ويحييوا الممثل العراقي مصطفى الهلالي لعرضه الذي اجتاز الأمان بتظافر الجهود، فاقتنص جائزة أفضل ممثل مناصفة.
ثمة أمر آخر لافت في هذا المهرجان، يدل على وفاء عقباوي الشيخ لمبدعي وطنه الراحلين، فقد سمى كل جوائز المهرجان بأسماء فنانين رحلوا عن عالمنا، في بادرة تكريمية. فجائزة الموسيقى كانت باسم الطيب عبوبي والتي حصل عليها العرض المجري AUGUST، وأحمد بن عيسى أفضل إخراج وفاز بها المخرج محمد طارق عن عرض (اورجا اوتيل)، وجائزة ياسين زايدي لأفضل ممثل ومنحت الجائزة مناصفة بين مصطفى الهلالي عن عرض (ابصم باسم الله) ومحمود البيطار عن عرض (أورجا اوتيل)، وجائزة مليكة نجادي لأفضل ممثلة وفازت الممثلة سعاد جناتي من مسرحية (لالونا)، وجائزة حسين طالب لأفضل نص ومنحت الجائزة مناصفة بين نصي (ابصم باسم الله) لسعد الهذابي و(الشاطئ الآخر) لمحمود جودة، وجائزة صلاح الدين بن مهدي لأفضل سينوغرافيا وفاز بها السينوغراف قذافي الريامي عن عرض (كيف تصنع بيضة مسلوقة) من سلطنة عمان، وجائزة موسى لاكروت لأفضل أداء جماعي والتي فاز بها فريق تمثيل مسرحية (جفاف)، وجائزة لجنة التحكيم باسم محمد العربي بهلول وحصل عليها (الشاطئ الآخر) من غزة فلسطين، وجائزة أفضل عرض متكامل باسم جمال بن صابر حصدها عرض (الخيشة والخياشة)، كانت هذه جوائز عروض الصالة، أما الفضاء المفتوح فكانت جائزة محمد العقاد لأفضل مبدع واعد للممثل منعم خلادي عن عرض (حلم مثقوب)، وصالح المباركية حمل اسمه جائزة أحسن بحث مسرحي وفاز بها عرض (ريق الشيطان)، و جائزة صونيا ميكيو أحسن أداء نسائي للممثلة وهيبة باعلي عن عرض (ريق الشيطان)، وحصل عرض (حلم مثقوب) على جائزتي عبد القادر علولة لأحسن إخراج و عبد القادر فراح لأحسن سينوغرافيا، وجائزة سيراط بومدين لأحسن أداء رجالي فعادت لهشام غاندي من عرض (مجنون تيشرافين)، و جائزة فريدة صابونحي جائزة لجنة التحكيم فقد حصل عليها عرض (مقدمة لابتسامة). وقد حكم عروض المهرجان في مسار الصالة كلا من: الدكتور عبد الحليم بوشراكي من الجزائر، والدكتور كريم عبود من العراق والكاتبة صفاء البيلي من مصر والممثلة الجزائرية نوال المسعودي والكاتب المسرحي عباس الحايك، بينما حكم عروض الفضاء المفتوح كلا من: الدكتور فضل الله أحمد عبد الله من السودان، ومن رومانيا ليفيو شيللو، ومن الجزائر الدكتورة فاطمة علواني، والفنانة المسرحية نسرين بلحاج والفنان أحمد عمراني.
بالإضافة للعروض المسرحية والفعاليات المصاحبة، قدم المهرجان عدد من الورش التكوينية، فقد قدم المخرج السوري حسين كناني ورشة الكتابة الدرامية وورشة التمثيل أطرها المخرج المصري مازن غرباوي، وأطر الفنان الإيطالي باولو افانتانيو ورشة خاصة بالطفل لحثهم على التمثيل والتعرف على أخلاق المسرح ومبادئه.
المهرجان حقق في طبعته التأسيسية ما لم تحقق مهرجانات في دورات عديدة، لأنه مهرجان خلق من حب، من رغبة، من حكاية مناضل مسرحي اراد لمدينته أن تكون حاضنة للمسرح، وأن لا تكون هامشا، عقباوي الشيخ تمكن من أن يصنع من مهرجانه بصمة وأن يترك أثرا على كل من شهد عروضه وفعالياته من ضيوف ومن مشاركين ومن أهل مدينته الذين بدوا ممتنين له ولفريقه المنظم.