المسرح قابل للتكيف مع الظروف للوصول للدهشة

جدل - تكاملية المسرح

0 475

الدكتور علي السوداني – العراق

بالتكامل نحقق المضامين الفكرية والجمالية بالعرض المسرحي وهذا ما أكد عليه المخرج الروسي ألكسي بوبوف في كتابه التكامل الفني في العرض المسرحي هو مخرج معروف وله تجارب عديدة اذ أن التشكيل البصري والصورة المرئية تنتج من خلال العناصر التي يعتمد عليها العرض المسرحي من أجل التكامل في تشكيل العرض سمعيا وبصري. إذ أن التكامل في منظومة العرض من النص والاخراج والتمثيل والعناصر التقنية والمتلقي يشكلون وحدة تكوينية واشتغالي من خلال المساحة الجمالية على خشبة المسرح وشاعرية الجسد واشتغالاته في توظيف العناصر التقنية والمعالجات الاخراجية مع جغرافية المسافة مع المتفرج، حيث يحقق العرض المسرحي وجوده من خلال تواجد كل العناصر في تجانس وتناغم مستمر لبث مضامينه الفكرية والجمالية، فضلا عن حضور المتلقي بشكل كبير داخل هذه المنظومة وغالبا ما يغيب عنصر ويحضر عنصر آخر او تطغى منظومة على أخرى وبالتالي نفقد التكامل بالعرض المسرحي.

التفاعل في العرض المسرحي يأتي من خلال قوة الترابط الاشتغالي بين المنظومات التي يتأسس منها العرض المسرحي فالوعي المعرفي والتفكير العلمي والتجربة الميدانية في قراءة وتأسيس العرض المسرحي له أثر كبير على التفاعل في انتاج وتأثير من الداخل الى الخارج وبالعكس كون المنتج الفني يعمل بشكل دائري لتحقيق المفاهيم الفلسفية، فالموضوع يدخل مع صناع العرض ليتم إعادة انتاج الفكرة وإعادتها الى المتلقي وبالتالي يحقق العرض المسرحي تأثيره على الخارج وخاصةً إذا لامس يوميات الجمهور وارهاصاتها وحاجاته وتطلعاته، هنا يكمن التفاعل بشكل ايجابي مع العرض كونه يمر في طاقة عكسية تنتج ترددات عن المرسل ليؤثث موجهة تفاعلية عن المستقبل وهذا ما أكد عليه البرفسور الدكتور صلاح القصب في نظرية مسرح الصورة والتفاعل بين المرسل والمستقبل من خلال (الطاقة، الموجة، التردد).

المسرح منذ النشأة الى يومنا هذا يمر في مراحل اكتشاف وتطور وتجريب على كل المستويات ابتداءً من النص ومراحله، انعكاساته الاجتماعية والنفسية مع تطور المفاهيم والاتجاهات الفنية من السياقية الى البنيوية الى السيميائية الى تعدد القراءة والتأويل الى التفكيك مرورا بالحداثة وما بعد الحداثة واشتغال المجربين في العملية الاخراجية وتعدد الرؤى واختلافها ما بين المدارس والاتجاهات بين ستانسلافسكي وبرخت ومايرهولد الى كانتور وارتو وبسكاتور الى الخ ..، من التجارب الجديدة في العرض المسرحي، من المسرح الحي والشامل والقسوة والعبث والخبز والدمى والشمس، فضلا عن التطور الكبير في تقنيات العرض على مستوى كل العناصر، الاضاءة وتطورها من الشعلة الى الليزر والمنظر من الاعتيادي الى الرقمي الافتراضي والموسيقى من الحي الى الكومبيوتر والأزياء باختلاف خاماتها وألوانها والاكسسوار. كل هذه العناصر تأثرت بالتطور وأثرت على مستوى الانتاج بالعرض المسرحي، فتطور المسرح بكل عناصره ومنظوماته ليحقق لنا منظومة واحدة سمعية بصرية ذات تشكيل جمالي عالي، إذ أن التجريب اليوم في مسرحنا المعاصر يعد سمة أساسية في أغلب العروض في انشاء الصورة البصرية الفكرية من خلال العناصر السينوغرافية لتؤثث فضاءات متعددة لا متناهية، مرن عالي الابتكار في استثمار الوسائط المتعدد والتقنيات الرقمية لتنتج عرضاً جمالياً.

التقنيات الرقمية والوسائط المتعددة من أجهزة الاضاءة الرقمية وأجهزة الاسقاط الضوئي والتي يعد الهولوجرام أحد الكشوفات المعاصرة التي أثرت على شكل العرض وحضور الممثل، إذ أن جهاز الإسقاط ثلاثي الابعاد حقق نقلة كبيرة في التجارب العالمية وأصبح بالإمكان ازاحة كثير من المفاهيم السائدة بحضور الممثل (حضورا مؤثراً) كون سمحت هذه التقنية في الغياب المادي والحضور الافتراضي الواقعي. أجهزة الاسقاط الضوئي لا تلغي حضور الممثل كمرسل وطاقة محورية أساسية داخل العرض، لكنها أعطت مساحة فلسفية وفكرية أعلى بالتأثير، فضلا عن إعادة اشتغال الممثل على المهارة والاداء والسلوك الذي يتناسب مع التقنية الحديثة التي وجدت من أجل خدمة كل عناصر العرض المسرحي.

وبالنسبة للنص والاستغناء عنه في العروض الجديدة، أرى أنه بنية اساسية بالعرض المسرحية حتى لو تعددت طرق الكتابة ما بين الكتابة الفردية او الكتابة الجماعية عن طريق ورشة، فالنص المسرحي هو الفضاء الدرامي الذي تنطلق منه العروض المسرحية بشكل عام.

وأما عن فكرة بث العروض المسرحية عبر وسيط بصري كالتلفزيون واليوتيوب، فأنا لدي مقال بهذا الخصوص نحو مستقبل المسرح (المسرح اقرب الى المتلقي)، المسرح يتغير ليس فيه نسق ثابت بل يتجاوز كل الامكنة والفضاءات باحثاً عن كشوفات ومركبات جديدة تجعله مواكبا للتطورات الاجتماعية العلمية والفلسفية والتكنولوجيا، عاش المسرح عزلة عن المتلقي الاعتيادي البسيط فالعروض المسرحية اقتصرت على النخبة المثقفة او المهتمين، أما الآن العروض المسرحية لها جمهور كبير لا تستطيع اكبر القاعات أن تحتضن هذا الجمهور، نعم المنصة الالكترونية تحتاج الى متخصصين عارفين في آلية عملها واشتغالها وتأثيرها من خلال وسائلها ومن هنا نقول هي دعوة للتفكير، فالفن نشاط عقلي حسي مدرك من خلال الوسائل الممكنة في تحقيق هدفها. هي دعوة لاستثمار هذه التقنية وهذه المنصات لتكون أكثر فعالية في خدمة الانسان وفي خدمة المجتمع وفي خدمة العلم.. هي دعوة الى التكيف مع العالم الرقمي للوصول الى غاية من الدهشة الفكرية والجمالية.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.