ثلاثة نصوص تهرب من ثلاثة نصوص

0 580

وسام هاشم – العراق / الدنمارك

-1-

 صور بالاسود والأبيض

أعرف رجلًا قصيرًا يركض فوق خطوته الأولى منذ سنين وامرأة طويلة تركض فوق حفرتها منذ سنين، اعرف بلادًا تلهث فقط،

الركض صفة الصامتين.

أعرف رجلًا كان يرتدي قبعة وعلى صدغه وشم حصان

 يتكلم،

أعرف امرأة لا ترتدي قبعة وعلى كتفها وشم فراشة،

في مزرعة حطابوها، مرحون وأنذال، نهضت حياته الرجل ذو القبعة، وقصوا أغصانها، حياته التي بلا قبعة، في البيت الذي لم يحرسه كلب كبير بينما تلهو في باحته دواجن ملونة وتواريخ سود.

أعرفه ولم يعرفني لكنه ثانية يمد أغصانه، حطبًا كثيرًا، لحفل امرأة يحبها وعلى كتفها وشم يغسله مطر السنوات.

فوق أيامه معلقة أربع صور،

التي بالأسود والأبيض تتحدث عن رجل رحل من القرية وعلى كتفيه نعاس وطين وخمسة ابناء بلا ماء،

والتي بالأسود والأبيض أيضًا ينكسر زجاجها مع نخلتين انكسرتا في البستان وقد علق بين سعفاتهما رجل قال (لا) ذات صباح،

صورتان ملونتان بدم فتى قتل فوق تلة ويافع هرب ولم يعد،

فوق أيامه صلبان من خشب واخرى من أسى،

الحزن بلا مكنسة، نزل إلى الشارع فوجد أحزانًا كثيرة بلا مكانس، عند منعطف ما نسميه بحر وجد صدفة مكتوب عليها: أنا الولد الضائع مرة في سوق كل باعته قراصنة وكلابه سلوقية بلا صيد،

الحزن نحن مكانسه والصدف نحن ابناؤه التائهون في أسواقه.

الرجل الذي أعرف،

الذي في جيبه بئر وفي قلبه صحراء،

فجأة أوقف سيارته قرب الحقل وبمرونة عالية دخل الى بطن شجرة ونام الى الأبد.

الحياة خارج الحقل كثيرة الحروب قليلة الضحك.

الحياة في المنازل مليئة بالخذلان والنباح.

احرسوه، يوشك أن يمسك الحافة ويتدلى

من عنق الزمن.

-2-

“السوق المستنصرية”

هل حدث أن دخنت أغنية في الصباح وعطست أغنيات في المساء؟

أبي خرج من نهر إلى أغنية وأنا خرجت من أغنية الى نهر.

من أغنيتي لم يفرً جنود ولا بقالون غير أن يدي هربت منها ولم تعد،

عندما أغلقوا النافذة، وهي الوحيدة على شط أحزاني، صرخت بأغنيتي طالبًا أن تحملني إلى الضفة الأخرى فرفضت، ومن أبي طلبت علبة خالية من الحروب فمنحني إياها وأخذني معها إلى المدرسة،

عندما تغادر أغلق اغنيتك أيها المبحور، ليس من بحر، ولكن من حفرة غامضة تطل على خليج روحك،

أغلق أغنيتك، التي لم يفر منها بقالون ولا جنود، واهربْ، ثم حين تتم هروبك، اهربْ،

عن النهر مرة وعن النهر مرتان حين تنزلق الدفاتر من سرير إليه ومن جيب إلى ضفتيه،

في “السوق المستنصرية” تغفو على بابه كنت ألقيت خاتمي، من حجر المعارك الزائلة.

 اختلفنا على نصف دزينة أحلام وغزال ودم واتفقنا على نصف دزينة أحلام وغزال ودم،

في “السوق المستنصرية”، إلا من النصر والجرائد، تشتبك الأصابع بما يشبه ضفيرتك أو صراخك حين يشتبك النهر وماؤه ولا ينتصر أحد منهما،

هل ينتصر مشتبكان؟ في حرب أو في الضفائر؟

إني لأسأل ولا أجيب ثم تغفو الحرب ولا أسال.

أتحدث من خلل في غيمة أو عطب في سنوات.

 – 3 –

حكاية جنيتي

في هذا الإناء من خزف الخليل أطهو شوبان مع شمس منتصف النهار،

لو سألني عابر: أينك يا هذا؟

سأجيبه أنا في قلب ينادمني، والطير الذي من الهند أضاع الطريق إلى الهند وصار ينادمني على تلة.

سأقفز مرة اخرى،

أوشك أن أقفز،

أوشك أن أقفز،

يوشك شوبان أن يصل بولنداه ولم أصل دجلتي بعد،

مرميًا في واد وعلى جبيني نصف نجمة وآثار أصابعك ذات مساء قلت لك فيه: رأسي أصغر من وطني والصهيل واسع ..

ملقى في العبارات ولا أجد حرفًا يجرني عنك،

هكذا نسيان يليق بهكذا رمل على هكذا شاطئ سقط فوقه الفرسان عن خيولهم ولم تسقط سوى نصف نجمة فوق جبيني.

بينما جنيتي تتسكع في بغداد، بيدها ورد أبيض وشال أبيض، تداعب شعري الساعة السادسة وكبائعي الورد عند اشارات المرور الضوئية تقدم لي الورد فأراه أسود ودما على أغصانه..

اشتمها وانا ابكي، جنيتي تهرب في حكايتها الى منعطف الشارع.

تأخذني من يدي إلى الغابة وتصرخ بالحيوانات: افسحوا الطريق جئتكم بذئب لا تحبه الذئاب وغزال لا يتوقف عن القفز حتى الى الجحيم،

ومذ ذاك أتمشى في كل الحقول بلا ريبة ومن دون مظلة وفي قلبي وشم وعل مهزوم ولم ينهزم.

أشعر أن قمرًا سيخرج من فمي من فرط حزني الباسل المضيء هذه الليلة.

نجوت من تهمة الموسيقى،

عليّ أن أنجو من تهمة الحب.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.