هل فشل الأدب الرقمي في تبوء مكانة له في الحقل الأدبي العربي؟

0 874

إدريس بوسكين – الجزائر

إن تفاعل الأدب مع الانترنت في التسعينيات من القرن الماضي؛ أدى إلى بروز “الأدب الرقمي” بمختلف أنواعه التفاعلية من: “رواية رقمية”، و”قصة رقمية”، و”شعر رقمي”، و”مسرحية رقمية” وغيرها من الأنواع الأدبية الرقمية، التي وصفت بالأجناس الأدبية البديلة، والتي لا تتجسد إلا عبر الأجهزة الإلكترونية كاللوحات والحواسيب والهواتف الذكية.

وقد تميز أساسًا هذا النوع من الأدب بالتفاعل المباشر مع المتلقي، عبر اعتماد تقنية “الهايبر تكست” (النص المترابط)، ودمج مختلف الوسائط الإلكترونية من نص وصوت وصورة وغيرها؛ ولهذا يدعى أيضا بـ “الأدب التفاعلي” (يسمى أيضا “الأدب الإلكتروني” و”الأدب الافتراضي” و”الأدب الشبكي” و”أدب النص المترابط” وغيرها من الأوصاف التي يفضل كل أديب أو ناقد إلصاقها به كل وحججه “المنطقية”).

إضافة إلى هذا، فقد صاحبته العديد من المصطلحات المفاهيمية الجديدة (الأدبية/ التقنية) على غرار: “النص الرقمي” و”الكاتب الرقمي” و”المتلقي الرقمي” و”الوسيط الرقمي” و”البلاغة الرقمية”، إلى جانب مصطلحات أخرى كـ “الوسائط المتعددة” و”التفاعلية” وكذا “الوسائط الفائقة”.

أوْلَى بعض النقاد في البلدان العربية، منذ بداية الألفية الثالثة، اهتمامًا كبيرًا بهذه التجارب الإبداعية الجديدة، وتفاعلوا معها أيما تفاعل مستبشرين لها بمستقبل واعد. لعل من أبرز هؤلاء النقاد، المغربي سعيد يقطين، الذي كان له دور رائد في وضع أسسه المعرفية على المستوى العربي، والتنظير له، والتعريف به، بالإضافة إلى المصرية عبير سلامة والإماراتية فاطمة البريكي وغيرهم من النقاد.

أما من الكتاب العرب، الذين كانوا سباقين إبداعًا في محاكاة هذا النوع الجديد من الأدب، فنجد الأردني محمد سناجلة في “الرواية التفاعلية”، والعراقي عباس مشتاق معن في “الشعر التفاعلي”، وكذا المغربي الراحل محمد اشويكة في “القصة التفاعلية”.

غير أن ولوج هذا الأدب لحقل الدراسات العربية لم يكن بتلك السهولة؛ حيث سادته “فوضى” كبيرة في المصطلحات والمفاهيم ما زالت مستمرة إلى اليوم، خصوصًا وأن أغلب مفرداته غربية ونابعة أصلًا من فضاء وسياق معرفي غربي، بما له وما عليه من خلفيات وارتباطات فكرية وثقافية، وقد ترك هذا المشكل آثاره السلبية أيضًا على السيرورة المعرفية ككل، خصوصًا ما تعلق بالممارسة النقدية.

اختلف النقاد في تسميات هذه المصطلحات والمفاهيم، تمامًا، كما اختلفوا في تعريفاتها ومفاهيمها. علاوة على هذا، انتقلت الاختلافات الغربية حول مفهوم هذا الأدب في حد ذاته أيضًا إلى العالم العربي، على غرار إمكانية صف الأدب الورقي المنشور على الانترنت في خانة “الأدب الرقمي” من عدمه. بل هناك من الأدباء والنقاد من يشكك حتى في وجود “أدب رقمي”، خصوصًا أن الأديب – في هذا المجال وإضافة إلى إبداعه الأدبي – عليه أن يكون أيضا مبرمجًا وذي خبرة كافية في التعامل مع الجهاز الالكتروني وتطبيقاته كالفوتوشوب والجرافيك؛ معتبرين أن هذه الأمور تشوه الإبداع الأدبي، وتجعله أقرب إلى العمل السمعي البصري الترفيهي منه إلى الأدب الحقيقي؛ لطغيان التقانة عليه. فالإبداع الأدبي عندهم يخرج عن “أدبيته” بمجرد جعل التقنية صفة ملازمة له وأساسية لوجوده، بعيدًا عن روحه الأصلية، والتي هي فعل كتابة إنساني يعبر عبر الكلمات وفي جو من الخيال والواقع عن مشاعر وأحاسيس ورؤى معينة. ثانيًا، لأن العمل سيصبح بهذه الطريقة “تعدديًا تشاركيًا” بمجرد إضافة رسوم وأصوات وموسيقى عليه، هي حتمًا ستكون من إبداع آخرين؛ أو حتى “جمعيًا” إذا ما ساهم المتلقي في كتابة النص -رفقة صاحبه الأصلي- ضمن علاقة حوارية مباشرة وأحيانًا شبه متكافئة وفقا لهؤلاء النقاد.

عمومًا، إن الاهتمام بـ “الأدب الرقمي” في البلدان العربية لا يزال محتشمًا جدًا مقارنة بالأدب التقليدي (الورقي)، ومقارنة أيضًا بواقعه في الولايات المتحدة الأمريكية حيث ظهرت إرهاصاته هناك لأول مرة في الثمانينيات من القرن الماضي، قبل أن يبدأ تجسده الواقعي بكل ميزاته التقنية في التسعينيات، عبر رائد الشعر التفاعلي الكندي-الأمريكي روبرت كيندل، وقصيدته “حياة لاثنين”، وأيضًا الأمريكي بوبي رابد الذي أصدر أول رواية تفاعلية “شروق شمس 69″، والأمريكي الآخر تشارلز ديمر الذي ظهرت معه أول مسرحية تفاعلية بعنوان “آخر أغنية لفيوليتا بارا”.

إن انتشار هذا النوع من الأدب لا يزال محدودًا جدًا، ولا يلقَ صدى لدى أغلبية الأدباء والنقاد، والأوساط الأكاديمية والإعلامية. الأهم من كل هذا، جمهور القراء وهذا على الرغم من تبلور “ثقافة رقمية” بارزة بمختلف البلدان العربية والترويج الذي يلقاه هذا النوع “الجديد” من الأدب في العديد من المواقع الإلكترونية الأدبية العربية وغيرها وكذا إقامة تظاهرات خاصة به بل وظهور حتى هيئات هادفة لتطويره والرقي به سواء على المستوى المحلي العربي أو العالمي كـ “اتحاد كتاب الانترنت العرب” الذي تأسس بالأردن في 2005 و”المنظمة العالمية للأدب الإلكتروني” التي تأسست بمدينة شيكاجو الأمريكية في 1999.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.