ما قبل وبعد بابل – ترحال قصصي

0 842

سماورد

في إطار تعاونها مع الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء، أصدرت الآن ناشرون وموزعون الأردنية “ترحال عبر قصص مترجمة”، وهو العنوان الفرعي لثلاث كتب، للدكتور خالد البلوشي. هذا الترحال يسير في عوالم قصصية قد تبدو متباعدة، قادمة من آسيا وافريقيا وأوروبا وامريكا والبحر الكاريبي ونيوزلندا. القاسم المشترك بينها أنها كتبت باللغة الإنجليزية، لكن هذه “الإنجليزية” ليست واحدة؛ فهي قد تكون اللغة الأم لكاتبها، وحين لا تكون كذلك، فهي لغة رسمية أولى أو ثانية في بلده، أو لغة تعليمه وعلاقاته وتواصله؛ ومن ثم “العيش” أو “التعايش” معها كونها اللغة العالمية الأولى. هذا التفاوت ترتب عليه اختلاف في العلاقة مع هذه اللغة؛ أدى إلى خلق “انجليزيات” متباينة؛ تبعاً لتمايز البيئات، التي تحتضن كل “انجليزية”، والحمولات الاجتماعية والثقافية لها، والتي تتبادلها مع “الإنجليزية” المكتوبة في نصوص تحنو جهة الإنسانية.

جاءت العناوين الرئيسة لهذه الكتب الثلاث كالتالي:

  • “إلى ما قبل بابل” في (240) صفحة، تضمن (12) نصاً قصصياً،
  • “إلى ما بعد بابل”، في (272) صفحة، تضمن أيضاً (12) نصاً قصصياً
  • “تقويض بابل”، في (128) صفحة، تضمن ثلاث فصول كقراءة وتحليل لنصوص الكتابين الأولين.

شكلياً، تراوحت عدد الصفحات (14X21) لهذه القصص الـ (24) – التي كانت حصة الكاتبات فيها أعلى من الكتّاب (14 إلى 8) – ما بين الثلاث صفحات (حكاية ساعة، للقاصة والروائية الأمريكية كيتي تشوبين /The Story of an Hour by Kate Chopin) في الكتاب الأول، والأربعين صفحة (أغاني سوجي الشجية للقاص والروائي الأمريكي جميس بالدوين / Sonny’s Blues by James Baldwin) في الكتاب الثاني. كما أن الفترة الزمنية بين تاريخ نشر أقدم قصة منها إلى تاريخ نشر أحدثها تمتد إلى أكثر من قرن؛ حيث نشرت أقدمها لأول مرة، وهي  قصة ” ورق حائط أصفر” للأمريكية شارلوت بركن جلمان(The Yellow Wallpaper by Charlotte Perkins Gilman)، في العام 1892، وأحدثها قصة “جدار من نار يرتقي” للروائية وكاتبة السيرة الذاتية إيدوِج دانتِكات من هاييتي (A Wall of Fire Rising by Edwidge Danticat) نشرت لأول مرة في العام 2000؛ وكلتا القصتين ضمهما الكتاب الأول؛ الذي وصف محتواه الدكتور البلوشي بأنه “عوالم مختلفة متعدّدة”، وأشار في خاتمته: “اللافت أنّنا لم نجد هذه العوالمَ محتكًا بعضها ببعض؛ فمع أنّ ثمّة تجلّيات للتفاعل بين أكثر من ثقافة فإنّ هذا التفاعل أقرب إلى خلفيّة تاريخيّة منها إلى مكوّن جليّ من توتّر الحبكة”. هذه القصص لا تختلف عن تلك في الكتاب الثاني في أن ما يجمعها – حسب المترجم – بأنه “يمكن تصنيفها جميعاً بأدب ما بعد الكولونيالية بشخصيات البلدان التي تخوض تركة الحقبة الاستعمارية بـ “هجنة” فيها عناصر من الثقافة المحلية وأخرى من ثقافة البلد المستعمر؛ لكن ما يميز قصص الكتاب الثاني أن التفاعل بين الثقافتين يأخذ ركناً رئيسًا من أركانها، كما سنلحظ أن هذا التفاعل، وإن كانت فيه أوجه الصدام أحياناً، لا يفضي في نهاية المطاف إلى نصرة ثقافة على أخرى، وإنما إلى خلق ثقافة “فضاء ثالث” تتجلى فيه الخبرة الإنسانية متشابكة متداخلة مختلطة ملتبسة غامضة”.

غير أن التقسيم إلى “ما قبل” و”ما بعد” يبدو ملتبساً، خصوصاً عند استدعاء بابل وما تتركه الأسطورة من تأويل للغة كأداة انسانية جوهرية، كان انتقالها من الاحادية الجامعة إلى التعددية المتشتة سبباً في ارتباك خارج عن السيطرة؛ كانت نتيجته إخفاق شنيع لمشروع يطمح ليتجاوز أو يتطاول على الواقع. ربما ذلك ما دفع المترجم ليقول:” نشكك في شرعية المجاز الزمكاني الذي ينطوي عليه عنوانا الكتابين الأول والثاني، وفي شرعية أسطورة برج بابل ومجاز التوحيد قواماً لتبويب الترجمات؛ فقد ظهر هنا أن افتراضنا أنه ثمة “قبل” لتلك الأسطورة و”بعد” في غير محلّه؛ فكل منا، سواء أكان قبل الأسطورة (أحادي اللغة) أو بعدها (متعدد اللغات)، في صراع دائم مردّه إلى أن لا معاني ثابتة واحدة، بل لا وجود فيزيقيًا واحدًا، فكل وجودٍ معنىً، وكل معنىً ممارسة فريدة مشروطة بسياقها”.

قد تكون هذه النظرة هي ما أسس عليه الدكتور البلوشي قراءته وتحليله لنصوص الكتابين الأولين، التي قسمها في الثالث إلى ثلاثة فصول:

  • الأول بعنوان ” بين الكبت والسلطة والمجاز” يحاول فيه نزع الألفة من مؤسسات الاجتماع وما بها من التصنيفات المقبولة اجتماعاً من “أب” و”أخ” و”سلف” و”تراث” و”هوية”، التي يمكن اعتبارها ممارسات تنطوي على السياسي والذهني والنفسي ظاهرًا وباطنًا.
  • الثاني بعنوان “بين الاضطراب والتنميط والاختزال”، حيث يرى المترجم من خلال قراءته أن التنميط ممارسة اختزالية تتخذ من ظاهر السلوك أساساً للتصنيف، لكنها “أكثر شمولاً وتعقيداً من أن نحتشد ونتكدس في أنماط تفكير جاهزة سلفاً”.
  • الثالث بعنوان “بين الامتثال والتواطؤ والاخفاق” ليظهر ان “الطاعة والامتثال قيمةً مؤدّاها فشل المؤسسات والأفراد اخلاقًا.”

في النهاية، لعله من المفيد التذكير بالسؤال الذي طرحه المترجم على نفسه حين قال: “أأنا أحلل النصوص الأصلية أم ترجماتي العربية لها؟”، وارتباط ذلك بـ”ذات” المترجم/الناقد بكل مكوناتها وتفاعلاتها؛ خصوصاً عند ملاحظة تكرار الربط بين هذه القراءات/التحليل بالخلفيات والبنى الثقافية في المجتمع العربي والإسلامي كمقدمات أو نتائج، والمبثوثة في أكثر من موضع.

المترجم

الدكتور خالد محمد البلوشي:

أستاذ اللغة الإنجليزية والترجمة الأدبية بجامعة السلطان قابوس، صدر له:

ترجمة من الإنجليزية إلى العربية: “عمان في عيون الرحّالة البريطانيّين: قراءة جديدة للاستشراق لهلال الحجري”، 2013.

ترجمة من العربية إلى الإنجليزية:

  • “Night is Mine “، “هذا الليل لي” لهلال الحجري، 2015.
  • “Contemporary Omani Poetry in English”، تقديم وترجمة مختارات من خمس مجموعات شعريّة عُمانيّة لسيف الرحبي وزاهر الغافري وسماء عيسى وهلال الحجري وعبد الله
  • البلوشي، 2016.
  • ” A Soldier from Oman Memory’s Nectar”، “جندي من مسكن، شهد الذاكرة” لسعيد بن راشد الكلباني، 2016.

نقدًا:

  • “استشراف التجربة العُمانيّة في جوادر: نحو خطاب إنسانيّ متعدّد” 2013/2015
  • “في القصيدة العُمانيّة الحديثة، نحو نقد ثقافي”، 2015
  • “الرواية العمانيّة في ميزان النقد الثقافي، تفريق المنضود وتفكيك المفروض”، 2018

شعرًا:

  • “سماوات دامسة” 2014
  • “بوح خالد آل خالد”، 2015
قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.