قراءة نقدية للمجموعة القصصية (أقنعة من لحم) للكاتب السعودي حسين السنونة
(أقنعة من لحم) عنوان جميل وملفت للنظر، يحمل الكثير من الدهشة والإثارة التي تجذبنا لكشف ما يتضمنه المحتوى القصصي، وهو عنوان القصة الرئيسية بالمجموعة والتي قصد بها القاص أن ما تحويه أنفسنا من صفات داخلية تظهر جلية على وجوهنا، فلا نقوى أن نداريها، وبها اسقاط على النفس البشرية وما تحاول دائما إخفاءه، وكذلك تأتي قصة (ملك الموت لا يتكلم العربية) وهو عنوان المجموعة في البداية وتم تغييره لاحقا، ويكشف فيها عن طبيعة الموت التي لا تفرق بين الناس، وملك الموت المكلف بمهمة شاقة لا يمكنه تراجعه عنها، وتدور باقي القصص حول فكرة الرفض الداخلي للواقع المؤسف والظروف التي تحيط بنا من كل جانب، فيثور ويصرخ بسخرية في وجه العبث والتقاليد وانتشار الفساد.
جاءت عناوين القصص مناسبة تماما وتدفعنا للتعمق والإبحار داخلها للوقوف على ما يحمله العنوان من دلالات وإيحاءات تظهر في متن النص وتنكشف بأحداثه. وبالنسبة للغة، فقد تناول الكاتب القصص في مجموعته القصصية بلغة سردية رصينة وعميقة ولكنها بسيطة وخالية من التعقيد والتكلف، لغة تحمل بين طياتها الكثير من الإيحاءات والإشارات إلى الواقع المرير والحياة الاجتماعية التي نحيا فيها بما تحمل من سلبيات، يعكس بلغته الشيقة أحلام الكاتب في تغيير الواقع السيء الذي يفرض نفسه علينا، وتلقي كلماته بظلالها لتعبر إلى داخل قلوبنا وتبرز ما يدور داخل مجتمعاتنا الشرقية من فساد وخداع، وتتجلى في بعض القصص لغة مباشرة لتعكس الظروف الحياتية القبيحة بسخرية مما يحدث فيها، فيعبر بلغته عن كوميديا سوداء يمزج فيها بين الواقع والخيال بحياة نتمناها ولكن لا يحظى بها إلا القليل.
أما عن السرد فيتميز بالهدوء والتشويق فيجذبنا لمتابعة أحداث القصص، فالكاتب في بعض قصصه يكتب ببناء تقليدي كلاسيكي للقصة القصيرة ليبدأ بمقدمة هادئة تمهد للصراع والأحداث التي تنمو داخل القصة، ويتطرق في بعض قصصه للحديث عن أزمته ومعاناته الخاصة ليشدنا خلفه إلى الأزمات والقضايا العامة مثل قصة (أشتاق للعناق فأستيقظ)، يعرض جانب من حياة بعض المسئولين وما يحظون به من عناية ورفاهية وكيف يتم الاختيار بينهم، وكذلك في قصة (ترانيم مواطن لا يتحرك) حيث يبدأ النص من حيث ينتهي، فيعرض حالة فردية لمواطن رافض لكل ما يحيط به ويتذمر منه بعد أن فقد الأمل في حياة كريمة ومستقرة، وعبر عن احتجاجه بطريقة غير اعتيادية، وقف راسخا مدافعا عن حقه وعن موقفه الذي تبناه في الحياة، وأظهر تجاه ذلك ردود الأفعال المتباينة لهذا الحدث الفريد والرغبة في استكمال الحركة الطبيعية للحياة دون توقف فلا تتعرقل خطط البناء الوهمية، أستغل آخرون الموقف المتأزم فأقاموا خيام السيرك والألعاب الرياضية أمامه استغلالا لهذا الحدث الفريد، وتم في النهاية مناقشة الوضع وأصدار البيان ان تتحقق أحلامه. وقصد الكاتب من النهاية الصادمة أن تلك الوعود لم تتحقق، فوقف المواطن ثابتا كما هو لم يتحرك منذ 1400عاما وحتى الآن.
حمل السرد في بعض القصص فكرة الرسالة التي يعبر بها عما يجيش داخله، فيعرض أفكاره وينتقل بسلاسة من فكرة إلى أخرى، كما كان ذلك في قصة (مجرد رسالة من عجوز) وهي رسالة من جد إلى حفيدته، يسرد خلالها حياته السابقة وارتباطه بالمكان الذي عاش فيه وعلاقته بجيرانه التي آثرت على حياته، وعلاقته بالجيل الأكبر منه والتي تحطمت فيمها حينما كبر، وبسرد مشوق يتعرض للحياة الجديدة التي تقام على أنقاض مدينة متهالكة ولكنها محمله بعبق الماضي والتاريخ، وكذلك نجد ذلك في قصة (الحب يجب ما قبله) رسالة من بطل إلي والد حبيبته يفيض فيها بالحديث عن والده وجولاته والتناقضات الجلية في شخصيته، واصراره على الاعتراف لابنه بأخطائه رغم أنه لم يرتكب جرم من سرقة أو تجارة مخدرات، ولكن يوجد في بعض المواضع تكرار لبعض المعاني أو لكلمات بعينها.
وكان الحوار في غالبية قصص المجموعة ناجح إلى حد بعيد، ينمو بالأحداث ويصل بها إلى الهدف المنشود، كما جاء في قصة (ملك الموت لا يتكلم العربية) أدار فيها حوارا عفويا بين البطل وملك الموت! فيتعجب منه لقبض روح صديقه المفعم بالأمل والنشاط، وتعلقت به أحلام أسرته وأصدقاؤه وأحباؤه، ويضع أمامه النماذج السيئة والتي تستحق الفناء بدلا من صديقه الطيب. – كذلك في قصة (أمي تلعن النجوم) حوار بين الأم التي تناجي القمر وتطالبه بالهروب للإبقاء على وجوده لكونه كبيرا، وهي ترى أن الكبير دائما يحيط به حقد ومكيدة الآخرين.