تعامل المخرج جلال جميل مع الممثل المسرحي

ورشة فن - مسرح

0 997

الدكتور عقيل ماجد حامد – العراق

يقف المخرج والممثل في مواجهة المتلقي في العرض المسرحي، فالأول غائب جسديا وهو (المخرج) الذي يُشكل فضاءه المسرحي بتقنياته ووسائله المادية والفنية وهو صانع ومؤلف أوركسترا العرض، والثاني الحاضر المرئي (الممثل) وهو القائد والمترجم لذلك النص الموسيقي بأدواته الجسدية والصوتية، بيد أن الممثل بوصفه ألة حية يعزف بجسده نوتاته الحركية والتعبيرية والاشارية للوصول الى أدق المشاعر والاحاسيس عبر فضائه الادائي الفني، وبصوته يقدم أغنيته للحوار والكلمات وما بينهما من صدق الافعال وهو يجوب فضاء العرض، ليتناغم في دائرة للعلاقات مع الاخرين.

ظل الممثل الحلقة الأهم وفي بعض الأحيان تكون الأصعب لدى الكثير من المخرجين، فمنهم من وظفه كناقل للكلمة، وآخر للفعل الجسدي التعبيري، وآخر مفردةً ديكورية واكسسوارية وفضاءاً هندسياً ورياضياً وشاعرياً ودعائيا وسياسياً وخطيباً، حيث تعددت مكانته الادائية والفلسفية والجمالية، فهناك نراه يبحث عن ذاته بذاته، يصنع هويته، يحقق غايته، وقبلها يركب أدواته عبر التدريب المستمر، وينتقل من درسٍ الى آخر، ومن مخرج ملقن الى مخرج تدريبي وتجريبي وتقني.

واليوم نقف أمام استاذٍ ومصمم ومخرج وذاكرة عراقية وموصلية، وهو شخصية فنية اعتمدت الفلسفة والجمال في الضوء والظلام والتشكيل، تناثر لونه وتجسد بين مسارح متعددة، فهو يتجه لتيار التجريب ولما بعد الحداثة (الاستاذ والفنان الدكتور جلال جميل). يشتغل الحقل التجريبي للدكتور جلال جميل نحو تأسيسات فكرية وجمالية مختلفة الاسلوب فهناك يعمل على تأثيث فضائه الرؤيوي / التبصري المُشكل من مفاهيم وقيم ذات استشراقات مستقبلية كما في عرض مسرحية (السكون) عام 2009، ويتحرك نحو شعرية الكلمة / شاعرية الجسد وثنائياته ـــ الانا / الاخر، في مسرحية من.. ممن … ولماذا؟ و غرائبية الشكل العبثي في مسرحية (لست أنا) لبكيت عندما أسس فضاءه المسرحي داخل (فم إنسان) وجعل الممثل لسان يتحدث، والاسنان كراسي وقطع ديكورية، والستارة شفاه، وهنا تظهر طبيعة تعامله مع الممثل المسرحي بوصفه ممثلاً محترفاً يرسم حركته عبر سيناريو (سكريبت) قبل الولوج الى التمرين، يُحرك الممثل بشكل هندسي (تقف هنا وتُلقي الحوار … وتتجه الى الوسط وتقول هذه الجملة … تذهب نحو اعلى  يمين او شمال المسرح وتقرأ الكلمة) فهو لا يتدخل بطريقة الاداء عبر ابعاد الشخصية والاحساس والتلوين وشرح الحالات ولا يُمثل أمام الممثل لتفسير وتقليد الحالة الادائية، وانما يكتفي بتطبيق الحالة عبر الحركة التي يجسدها الممثل بذاته، مما يجعله مُخرجا انتقائيا لممثليه الذين يتمتعون بطاقة أدائية وقدرة على التعبير والمرونة واللياقة، فهو ينشغل بفضائه وشكله الخارجي المؤسس على الرؤية الجمالية والفكرية، فالممثل هو من مكملات العرض (دلالة) قطعة ديكورية / مفردة داخل السكريبت، يحركه بناءاً على ما يخططه على الورق،  يبتعد عن الغوص في اعماق الممثل لشرح الحالة والدوافع، لا مانع لديه من الاستعانة بمختصين في مجال تدريب الممثل ولياقته كما في مسرحية (لست أنا)، ويعتمد على الممثل في تدريب نفسه، وليس معنى هذا بان الممثل لديه غير مهم، وانما (الممثل) لديه هو الما قبل الاداء / ما قبل النص / ما قبل العرض، أي: أنه يُشكل ذاته وفضاءه الادائي وطاقاته الجسدية بناءاً على ثقافة الممثل وطريقة لعبه وتنوع أداءاته ومرجعياته المعرفية.

إن الدكتور جلال جميل … بوصفه مخرجا / مصمما / رساما/ استاذا تنظيريا ومفكراً جمالياً يُدرك ان الممثل المسرحي يتمتع بخاصية وطاقة فردية يتشكل ضمن الفضاء، ليتناسج مع ذلك الفضاء الكلي، وتحقيق صورة تشكيلية سينوغرافية متكاملة ومُنسجمة.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.