سحر عبد الله-سوريا
طلب مني أن أعد أو أوفر مادة عن شارع مهم في دمشق، المدينة التي قضيت فيها ما يقارب خمسة عشر عاما بين الدراسة والعمل، فترة كانت كافية أن أعقد صلات عشق وصداقة خاصة مع أماكن محددة من هذه المدينة الساحرة وبالتحديد دمشق القديمة.
طلبتُ من صديقتي وهي تعمل صحفية في جريدة رسمية أن تكتب عن شارع المتنبي فقالت لي بأنها لم تهتدي إلى الشارع وبأن أحداً لم يعرفه أيضاً!!، قلت لها أنا متأكدة من وجوده لكنه شارع فرعي وليس بذي أهمية كبيرة مقارنة مع غيره من الشوارع الرئيسية. اقترحت عليها أن تعد مادة مختصرة ومعبرة عن مقهى النوفرة بدمشق لأهميته الكبيرة في الخيال الشعبي قديما ًوحالياً كمكان ارتبط تاريخياً بشخصية الحكواتي الملازمة لشهر رمضان. اعتذرت صديقتي -متأخرة- لضيق الوقت فقررت أن أعد المادة بنفسي.
كان مصدري الأول هو غوغل وفقه الله ومايكروسوفت معاً. وضعت كلمة شوارع دمشق فلم يظهر لى إلا نتيجة واحدة في أقدم عاصمة مأهولة بالتاريخ.. وهو الشارع المستقيم وللمفارقة كنت قد انتهيت للتو من قراءة مادة شيقة بقلم الكاتب صبحي حديدي عن (دمشق واعوجاج الشارع المستقيم)، الشارع المذكور أهمية تاريخية ودينية فقد ذكر في الكتب المقدسة جميعاً ومرتبط خاصة بقصة تحول شاوول الطرسوسي إلى بولس الرسول على يد حنانينا الدمشقي .
قررت أن أوسع البحث وكتبت: “الشوارع في المدن العربية” فكانت النتيجة ذاتها مع دهشة أكبر وحشرة بنفس الوقت.
دمشق وبغداد وبيروت وحتى القاهرة مجتمعين لم يقاربوا تونس، هل من قلة العدد أم من سوء وقلة الاهتمام، تونس لوحدها أرشفت سبعة وثلاثين شارعاُ في حين دمشق شارع واحد وبيروت وبغداد عدة شوارع. هل لقلتها؟، أو لعدم اكتراثٍ بتأريخ الشوارع المهمة. يطيب لي المقارنة مع المدن الغربية التي تؤرخ وتأسطر المكان بربطه بحادثة أو بشخص ما.
في مدينة أدنبرة هناك شارع وساحة صغيرة بقرب المتحف السكوتلندي مخلدة باسم الكلب بوب وفي أو ل مرة سألت الكثيرين عن سر التسمية فقال المحليون ومن يعرفون بتاريخ الكلب : بأنه ولوفائه النادر تم وضع تمثال له قرب البار الذي كان يرتاده صاحبه وحين مات الصاحب ظل الكلب وفياً على ارتياد المكان حتى وفاته فتمت تسمية المكان او الساحة الصغيرة باسمه.
هل تستكثردمشق بعراقتها أن تطلق على أحد شوارعها اسم المتنبي أو الماغوط أو سعدالله ونوس أو أسماء كثيرة تليق بما مر على المدينة من قبيل ابن خلدون مثلاً والحادثة التاريخية المرتبطة بسقوط دمشق ؟
شوارع دمشق الآن محصورة بالمهن المتوارثة والتي تلقيها على المكان , سوق المناخلية والقباقبية وسوق النحاس وسوق الذهب كلها لمهن أعطت للمدينةرسوخها أكثر من أي شيء آخر أو أي حدث أو شخصية مهمة.
لكن هذه الشوارع على أهميتها لا تنال اكتراثاً بقيمتها وندرتها وما تعطيه من حيوية للمدينة, أتذكرحين زرت دمشق بسنة 2008 وكانت نفس السنة التي تحتفل بها العاصمة على أنها عاصمة للثقافة العربية ، لم أمشي بحي قديم أو حديث إلا ونلت حماماً مجانياً من الغبار ودخان السيارات لكن ما أثار حزني بالفعل حال الشوارع القديمة من تكسيروتهشيم وتشويه لمعالم الأحياء القديمة.
أتمنى أن يكون حال المدينة القديمة والحديثة قد تحسن وأن تسعى الجهات المسؤولة بتأريخ مدينة بعراقة دمشق حيث يستطيع القارى العربي والأجنبي إن استعان بغوغل أن يعرف عن دمشق القديمة أكثر من سبعة ابواب وشارع مستقيم وأقدم عاصمة مأهولة بالتاريخ.
إرم ديوب – سوريا
لم يزل شارع النوفرة جزءاً من لوحة الثراء الأثري و الأجواء التراثية الحميمية لدمشق القديمة إذ يشكّل عقدة تفرّعٍ لحاراتها وصولاً للعمارة وباب توما. فلا بدّ للزائر, بعد الانتهاء من زيارة سوق الحميدية و الجامع الأمويّ, أن يمرّ بشارع النوفرة ليُغمَر بفضائه الحميميّ الدافئ المنبعث من الحجر البازلتي و رائحة الياسمين و صوت الحكواتي و طاولات الزهر لقهوة النوفرة التي لم تزل تستقبل الزبائن منذ 500 عام إذ حافظ المكان على طابعه القديم بجلسات الحكواتي في المقهى و التي استغنت عنه معظم مقاهي دمشق منذ وصول اختراع التلفاز إلى سوريا.
ولكي تصل إلى شارع النوفرة وسط دمشق القديمة يجب أن تعبر سوق الحميدية عبر الطريق الجنوبي للمسجد الأموي المتوزعة على جانبيه دكاكين بيع الشرقيات والتحف والفضيات والمخطوطات العربية القديمة والبسط المتدلية من أبواب المحلات فيفضي الطريق إلى شارع النوفرة باتجاه الشرق خلف فسحة مرصوفة بالأحجار السوداء تتوسطها نافورة مظللة.
لمقهى النوفرة 12 طاولة خارجية على مساحة 30 متراً مربعاً تضفي على الشارع طابعاً محبباً للمارّة إذ يفضل زواره الجلوس خارج الصالة للاستمتاع بالهواء الطلق. تعود تسمية النوفرة إلى وجود النافورة التي كان يتراوح ارتفاعها بين 4 إلى 5 أمتار.